الأضحية وشيء من أحكامها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر تقربا إلى الله تعالى. وسُمِّيَت بذلك: لأنها تُذبح ضُحىً بعد صلاة العيد. وهي مشروعة بالكتاب والسنة وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
والأضحية، سنة مؤكدة؛ في حق القادر عليها ومَنْ عنده سعة من المال. فينبغي على المسلم ألا يترك الأضحية مع قدرته عليها تقربا إلى الله وإظهار شعائره وشكره والتوسعة على الأهل والعيال والفقراء يوم الأضحى وأيام التشريق.
ومن كان عليه دين فإنه يقدمه على الأضحية؛ لوجوب إبراء الذمة عند الاستطاعة. ويجوز الاقتراض لشراء الأضحية إن قادراً على الوفاء، وإن كان لا يرجو وفاءً فإنه لا يقترض.
والمشروع للرجل أن يضحي عن نفسه وعن أهل بيته بأضحية واحدة، فيشركهم في ثوابها، وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأموات والأحياء وفضل الله واسع. ويظن بعض العامة أن الأضحية للأموات فقط وهذا خطأ. لكن الأضحية عن الميت منفردا من أهل العلم من رخّص فيها لأنها نوع من الصدقة والصدقة تصح عنه.
وفيما يتعلق بالاشتراك في الأضحية فالبدنة والبقرة يجوز اشتراك سبعة أشخاص فيها ـ أما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد، والمراد بذلك الاشتراك في الملك بأن يشترك شخصان فأكثر في شراء شاة ويضحيا بها فهذا لا يجوز، أما الاشتراك في الثواب بأن يكون مالك الأضحية واحداً فيشرك معه غيره من زوجته واولاده أو غيرهم من الأحياء أو من شاء من الأموات فجائزٌ مهما كثر الأشخاص.
والمشروع للمسلم استسمان الأضحية، وهذا من تعظيم شعائر الله، وفي صحيح البخاري قول أبي أمامة بن سهل: (كنا نُسَمِّن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يُسَمِّنون). فليحرص المسلم على تأمل الأضحية حال الشراء فيتأكد من تمام سنها وخلوها من العيوب المانعة من الإجزاء.
ومن شروط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ).
ومن شروط الأضحية بلوغ السن المعتبرة شرعا؛ بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: “لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن” رواه مسلم. وهو من الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة، إلا الضأن فيجزئ الجذع، وهو ما تم له ستة أشهر.
ومن شروطها أن يضحي في الوقت المحدد شرعا وهو من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته.
فإن كان المضحي في مكان لا صلاة فيه كأهل البوادي والمسافرين والمبتعثين فإنه يعتبر قدر وقت الصلاة، والأفضل تأخير الذبح إلى انتهاء الخطبة تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. ويجوز ذبح الأضحية ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى.
وهناك عيوب في الأضحية تمنع من صحة إجزاء الأضحية وهي أربعة وردت في حديث البراء
-العوراء البيّن عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، والعمياء أشد .
-المريضة البيّن مرضها: وهي التي ظهرت عليها آثار المرض الذي يُقعدها عن الرعي مما يسبب لها الهزال وفساد اللحم، ومنه الجرب فهو يمنع الإجزاء قليله وكثيره لأنه يفسد الشحم واللحم.
– العرجاء البيِّن ظَلَعُها: أي عرجها وذلك بكونه فاحشا، ويلحق بالعرجاء مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، والعاجزة عن المشي لعاهة ككسر ونحوه.
– الكسيرة التي لا تنقي: وهي الهزيلة التي لا مخ في عظمها، أما الهزيلة التي لم يصل الهزال إلى داخل عظمها فتجزئ.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، أما العيوب الخفيفة في الضحايا فمعفوٌ عنها. وهناك عيوب مكروهة لكنها لا تمنع الإجزاء وغيرها أولى منها.
العضباء: وهي مقطوعة الأذن أو مكسورة القرن، فهذه تجزئ والكمال أولى، أما لا قرن ولا أذن له خلقة فتجوز التضحية به بلا كراهة.
-البتراء من الإبل والبقر والغنم وهي التي قطع ذنبها أو بعضه فتكره التضحية بها.
أما مقطوعة الألية من الضأن فهذه لا تجزئ في الأضحية، أما إذا كانت من نوع لا ألية له بأصل الخلقة فتجزئ.
وتجزيء الهتماء التي سقطت ثناياها أو غيرها من أسنانها وغيرها أولى منها.
وتجزئ الجدّاء وهي التي توقف ضرعها عن الدر، وكذلك لو بقي فيها ضرع ونشف آخر أجزأت من باب أولى بلا كراهة، كما تجزئ الأضحية بما لا ضرع لها أو مقطوعا.
ولا يجوز إعطاء الجازر شيئاً من الأضحية كجزء من الأجرة، أو في مقابل تخفيض الأجرة؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: “أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وألا أعطي الجازر منها شيئاً”، وقال: “نحن نعطيه من عندنا” متفق عليه، لكن لا مانع من أن يعطى الجازر شيئاً من الأضحية على سبيل الهدية أو الصدقة وذلك بعد أن يعطى أجره على عمله كاملاً.
ولقد اجتمع هذا العيد عيدان جمعةٌ وعيد ولله الحمد والمنة، وقد روى أبو داود في سننه أنه ﷺ قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مُجَمِّعون). فمن صلى العيد، أجزأته عن الجمعة ذلك اليوم، ويصليها ظهرا في بيته فرداً أو جماعة، بعد دخول وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
أما إمام الجمعة وخطيبها فيجب عليه أن يقيم الجمعة بمن حضر لصلاتها ممن صلى العيد وممن لم يصل العيد، كما كان النبي ﷺ إذا اجتمع العيد والجمعة، يصلي العيد ويصلي الجمعة، وربما قرأ فيهما جميعاً، بسبح والغاشية، كما ذكره النعمان ابن بشير في صحيح مسلم.