الدعاوى الكيدية آثار وأضرار

خطبة: “الدعاوى الكيدية آثار وأضرار”

​الحمد لله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له، يقص الحق وهو خير الفاصلين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

عباد الله؛ إن الشريعة الإسلامية شريعة محكمة جاءت بالعدل والإنصاف، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90]، كما حرمت الظلم والعدوان، قال تعالى: ﴿ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾ [البقرة: 190]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا…”. وقال صلى الله عليه وسلم:” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”.


ومما يدخل في هذا الباب تحريم الإضرار بالآخرين، والاعتداء عليهم، من خلال مخاصمتهم بالباطل، والادعاء عليهم بغير حق كذبًا وبهتانًا، فإلحاق الضرر بالأبرياء، واتهامهم بما هم برآءُ منه أمر محرم شرعا ومجرم نظامًا.

والدعوى الكيدية هي: مطالبة المدعي غيره بأمر لا حق له فيه، وبغير وجه حق مع علمه بذلك في مجلس القضاء، فهي دعوى بالكذب والباطل، يقصد منها المدعي الإساءة، وإلحاق الضرر بالمدعى عليه، ويظهر فيها الظلم والبهتان.


وللدعاوى الكيدية أسباب ترجع لضعف الوازع الديني، أو للجهل وقلة العلم، أو الرغبة في التشفي والانتقام، أو لغياب الحكمة والعقل، أو لوسوسة الشيطان وإلقائه العداوة والبغضاء في النفوس.

الدعاوى الكيدية لا يُقصد من ورائها مصلحة مشروعة، وإنما يُقصد من ورائها الكيد بالخصم؛ لأخذ ماله ظلمًا، أو لمجرد إلحاق الأذى به أو إزعاجه.

ويترتب على الدعاوى الكيدية عدد من الأضرار النفسية والمادية على المدعى عليهم، وتشويه سمعتهم بنشر انطباع سيئ عنهم وخسارتهم المادية الناتجة عن توكيل محامين لهم، إلى جانب إهدار أوقات الجهات الحكومية والمحاكم في النظر والفصل في هذه القضايا وتفويت فرصة الاستفادة من هذه الأوقات لاستغلالها في الفصل في قضايا أخرى أهم وأولى.

ونظرا لما يترتب على هذه الدعاوى الباطلة والكيدية كان في الشرع والنظام ما يكفل منعها أو الحد منها، حفاظًا على النفوس والأموال، وردعًا للمعتدين؛ فقد نص الفقهاء على أن القاضي إذا تبين أن الدعوى كيدية باطلة، لم يجز سماعها أو الالتفات إليها، ونص الفقهاء على أن القاضي إذا تبين له كيدية المدعي وكذبه، فإنه يعزره بما يردعه ويزجره ويكف أذاه. كما نصوا على جواز المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي لمن لحقه ضرر بسبب الدعوى الكيدية.


عباد الله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خصال المنافق: (وإذا خاصم فجر.( أي مال عن الحق وقال الباطل والبهتان، وتوسع في المعصية والكذب، فالفجور هو التوسع في المعصية وإظهارها كانفجار الماء، فيتوسع في الكذب والعدوان على الخصم واللدد في الخصومة، هكذا شأن المنافقين -نسأل الله العافية-.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)، فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، ويوهن الحق، ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، وأخبث خصال النفاق.

يقول الشيخ الفقيه ابن عثيمين رحمه الله:” (إذا خاصم فجر) الخصومة: هي المخاصمة عند القاضي ونحوه، فإذا خاصم فجر، والفجور في الخصومة على نوعين: أحدهما: أن يدعي ما ليس له، والثاني: أن ينكر ما يجب عليه”.

للإنسان أن يخاصم ويجادل عن حقه، ولكن المحذور الأكبر هو أن يفجر أحد المتخاصمين، فيبدأ بالشر وينحاز إليه وينسى قيم الفضيلة كلها؛ نفخ الشيطان فيه وتلبسه فلا ينطق إلا بشرّ، وربما ينطق بكفر.


والفجور في الخصومة خلاف الحكمة والذوق والأدب فالمسلم ينبغي أن يملك مشاعره وأحاسيسه وتصرفاته.


هناك خصومات كثيرة تنشب بين فئات المجتمع، قد تكون بين الزوجين أو بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الجيران أو الأقارب أو الجماعات، المهم في هذا كله أن يضبط الإنسان نفسه، ويحترس من أي تصرف أو كلام ربما يقلب الحق عليه. والكلمة في فمك تملكها، فإن خرجت ملكتك..

ويعز على النفس أن تسمع من البعض وبسبب الخلاف بينهم، يسارعون إلى سوء الظن، وإلى التخوين وربما الاتهام بالبدعة والضلالة، وأحيانا اللعن والاتهام بالكفر، فأين نحن من هدي ديننا الحنيف.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وألسنتنا من الكذب والفجور عند الخصام فلا نقول الا الحق ولا ندعي الا ما يرضي ربنا ولا نميل عن الحق..

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة..

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وتخلقوا بصفات الحلم والعفو، واحذروا من الصفات الذميمة والخصال القبيحة كالكذب والبهتان والجدال بالباطل والفجور في المخاصمات تفوزوا وتسعدوا في دينكم ودنياكم.