الزكاة غايات ومقاصد

خطبة: ” الزكاة غايات ومقاصد “

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

 أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين، (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). 

عباد الله ؛ تحتل الزكاة في الإسلام مكانة رفيعة ومنزلة سامية، فهي ركن من أركانه الأساسية، وشعيرة من شعائره الدينية الكبرى، وفريضة من فرائضه المؤكدة المعلومة من الدين بالضرورة، التي ورد ذكرها في عشرات الآيات القرآنية وأحاديث السنة النبوية جاحدها ومُنكرها مرتد كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا، ومانعها بخلا وشحا أو تهاونا يقاتل عليها حتى يؤديها وتؤخذ منه طوعا أو كرها، كما قال أبو بكر الصديق:” والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله r لقاتلتهم عليها “رواه البخاري. وقال النبي r حين بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن: ” أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) أخرجه البخاري ومسلم.

ومما يؤكد أهميتها فعل الرسول r، حيث كان يرسل السعاة لجباية الزكاة من الناس، وكذلك خلفاؤه من بعده وإلى يومنا هذا.  

الزكاة شرعها الله تعالى رحمة بعباده لحِكم بالغة، وأهداف سامية، ومصالح كثيرة، ومنافع لا تحصى، من أهمها ما أشار إليه قوله تعالى في سورة التوبة:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}. فهي تطهر النفس من الشح والبخل، وسيطرة حب المال على الإنسان، كما تطهر المزكي من الذنوب والآثام، كما قال تعالى:{إن تبدوا الصدقات فنِعِمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم}.

الزكاة وقاية للمال المزكى من الضياع والتلف، وأمان له من الآفات والكوارث تطهر الأموال وتطيبها.

تطهر المجتمع الإسلامي ماديا من الفقر والبؤس والحرمان والتسول، وتطهره نفسيا من البغض والحقد والحسد والكراهية، وتطهره من صراع الطبقات وما يترتب على ذلك من المآسي والآفات.

شرعها الله تعالى امتحانا لعباده واختبارا لصدقهم في إسلامهم وصحة إيمانهم وثقتهم في وعد ربهم، كما قالr: “والصدقة برهان” يعني برهانا على صحة إسلام مخرجها وإيمان باذلها وثقته بوعده في قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}. فالمسلمون يؤدونها بدافع الإيمان بالله، بخلاف الضرائب التي يتهرب الكثيرون من دفعها متى وجدوا غفلة من الرقيب.

الزكاة من الفرائض التي يتم بها إسلام العبد ويتحقق إيمانه لتكون طريقا معبدا لدخول الجنة والنجاة من النار،

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعْرَابيًا أتَى النبي r فقال: يا رسول الله، دُلَّنِي على عمل إذا عَمِلتُه، دخلت الجنة. قال: «تَعْبُدُ الله لا تُشرك به شيئا، وتُقِيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة المَفْرُوضَة، وتصوم رمضان» قال: والذي نفسي بيده، لا أَزِيْدُ على هذا، فلمَّا ولَّى قال النبي  : «من سَرَّه أن يَنْظَر إلى رجُل من أهل الجَنَّة فَلْيَنْظر إلى هذا» متفق عليه.

شرعها الله تعالى للتزكية، تزكي أنفس الأغنياء وقلوبهم، كما تزكي أموالهم، ومجتمعاتهم، الكل يزكو بالزكاة، ويسمو بزكاته عند ربه، وفي أعين مجتمعه، وتكفل الله بإخلافها في الدنيا، وتضعيفها في الآخرة أضعافا مضاعفة، مصداقا لقوله تعالى:{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين}وقوله:{يمحق الله الربا ويربي الصدقات}وقوله:{وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.

الزكاة عبادة مالية، لها آثارها الاقتصادية الحسنة التي تعود على الفرد والمجتمع والدولة فهي تشكل أهم دعامة من دعائم الاقتصاد، وتُكوّن موردا من موارده المالية، ووسيلة من وسائله الناجحة لتحقيق التكافل الاجتماعي، وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بين الأغنياء والفقراء بين دافعي الزكاة وآخذيها لتحقيق السلم الاجتماعي والأمن الوطني.

 إنها قيمة أخلاقية تبني لدى الإنسان صفة الرحمة والتعاطف والتواد والبذل، وتعزز الشعور بالفقراء والمعوزين، فالزكاة وسيلة مثالية لتحقيق معنى التعاون بين المسلمين.

فاتقوا الله، عباد الله وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم تفلحوا وتسعدوا : ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون “

 بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم..

 الخطبة الثانية

 الحمد لله وكفى وسمع الله من دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله، وأعلموا أن الله عزوجل تولى أمر الزكاة وتحديد مصارفها وحصرها في الثمانية المذكورين في قوله تعالى:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}، لم يترك هذا الأمر لملك مقرب ولا نبي مرسل ، فإن هذا التوزيع من العليم الحكيم له حِكَم سامية في أهدافها، نبيلة في مقاصدها ومراميها، كثيرة المصالح والمنافع لمستحقيها والمجتمع.

والمسلم يتحرى في زكاته وصدقته أهل الزكاة، والجمعيات الرسمية الموثوقة التي تشرف عليه الدولة، كمنصتي إحسان وفرجت ويحذر من الجهات المشبوهة التي ليس لها وجود على أرض الواقع أو عصابات التسول.