الصلاة نور
الصلاة نور ( خطبة للشيخ محمد السبر)
الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، المتفضِّل على خلقه بجزيل النوال، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو الكبير المتعالِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رفع الله به الظلمة، وأنقذ به من الضلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، خيرِ صحبٍ وآلٍ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل؛ أما بعد:
فأوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى هي الوصية الجامعة، والموعظة النافعة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
معاشر المسلمين، إن الصلاة أعظم شعائر الإسلام، بل هي الركن الركين، والصلة بين العبد وربه، ولها فضائل ومكارم في الدنيا والآخرة، وفوائد على الفرد والمجتمع؛ ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلاة نور…)).
الصلاة نور للإنسان في قلبه، تفتح عليه باب معرفة الله عز وجل، وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته؛ ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14].
الصلاة نور؛ لأنها سبب لانشراح القلب، وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه.
الصلاة نور يُستضاء به في دياجير الظُّلَم، تنير للمسلم الطريق المستقيم، وتهديه إلى الصواب، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر؛ ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
الصلاة نور يستعين بها صاحبها على سلوك طريق الهدى، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
الصلاة نور يُشرِق على الوجه، فيكسوه بهاء وجلالًا؛ ولهذا تجد أكثر الناس نورًا في الوجوه أكثرهم صلاة، وأخشعهم لله عز وجل، فسِيْمَا المصلين خضوع لله وخشوع، يتوارى معه الخيلاء والكبرياء، ويحل محلها الوضاءة وإشراق الوجه والروح؛ يقول تعالى: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].
والصلاة نور بكل معاني النور؛ نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره يوم القيامة؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، فإذا قام العمود قام البناء، وإذا لم يقُمِ العمود فلا بناء.
والمساجد بيوت النور؛ أذِن الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه، هي مهبط رحمته، ومنزل ملائكته، تُعمَر بالعبادة والصلاة والذكر، ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [النور: 36].
والصلاة، تُقرأ فيها فاتحة الكتاب، وهي نور؛ كما جاء في الحديث الصحيح: ((أبْشِرْ بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته)).
وفي الصلاة يقرأ المصلي ما تيسر من القرآن، والقرآن نور؛ ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15]، ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52].
الصلاة نور تنير ظلمة القبر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم))؛ [رواه البخاري ومسلم]، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “صلوا ركعتين في ظُلَمِ الليل لظلمة القبور”.
الصلاة نور يتلألأ على جبين المصلين يوم القيامة، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أمة الغرة والتحجيل، وتُدعى بين الخلائق بهذا النور: ((إن أمَّتي يُدْعَون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء))؛ [متفق عليه].
وإذا كانت الصلاة نورًا وبرهانًا، فإن ترك الصلاة سواد وظلمة في الدنيا والآخرة؛ فالطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قوِيَتِ الظلمة ازدادت الحيرة، حتى تظهر وتعلو على الوجه، فيصير سوادًا يدركه أهل البصائر، ينتهي به الحال إلى سوء المآل يوم العرض على الملك الجبار: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [المدثر: 42 – 47].
وبعد، عباد الله، فإن الصلاة الجامعة لشروطها ومكملاتها يعظم ثوابها، وهي نور للعبد في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ عليها، ويكثر منها حتى يكثر نوره وإيمانه، وتكون له يوم القيامة نورًا، يضيء له طريقه إلى الجنة.
أسأل الله أن يمدنا بنور من نوره، وأن يجعل في قلوبنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي قبورنا نورًا، وفي الحشر نورًا، وعلى الصراط نورًا، وأن يعظم لنا نورًا.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أراد النجاة في الدنيا والآخرة، فعليه بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه، بالمحافظة على الصلاة؛ فنحن بمسيس الحاجة إلى نور تُبْصَر به الحقيقة، ويُبدَّد فيه الظلام، ويُقتبس منه لإكمال السير إلى الله، والصلاة هي محل هذا النور، ونحن بحاجة إلى كمال التزود منها كل يوم وليلة، خصوصًا في أزمنة الفتن والمحن.
واعلموا – رحمكم الله – أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على النبي المصطفى المختار، وعلى المهاجرين والأنصار، وعلى جميع الآل والصحب الأخيار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لِما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى.
اللهم انصر جنودنا المرابطين، وردهم سالمين ظافرين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.