تنظيم الحج في ظل جائحة كورونا دلالات ومقاصد
خطبة: ” تنظيم الحج في ظل جائحة كورونا دلالات ومقاصد ”
” الجمعة (5) ذو القعدة 1441هـ للشيخ محمد السبر جامع موضي السديري بالرياض “
الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمناً، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن حج واعتمر إلى يوم القيامة، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله؛ الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: ” أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إذا استطعت إليه سبيلا” رواه مسلم.
ففريضة الحج واجبة على المستطيع، ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة إجماعاً قطعياً، وفيها من المنافع والحكم وإقامة ذكر الله وتوحيده ما لا يخفى على بصيرة.
وأداء فريضة الحج قد ربطها الشارع الحكيم بأمر الاستطاعة لعلمه سبحانه وتعالى بمجريات الأمور وحوادث الدهر ونوازله، التي قد لايستطيع معها المسلمون من أداء هذه الشعيرة العظيمة.
ولقد أطلت على العالم جائحة كورونا بخطرها الداهم فأزهقت أنفساً، وضربت بآثارها وألقت بظلالها على حياة الناس ومعاشهم بل وأثرت على عباداتهم وصلواتهم، ولا زالت الدول في طور مدافعته وتخفيف أضراره والبحث عن علاجه.
ومن هذا المنطلق عباد الله قررت المملكة العربية السعودية تنظيم الحج لهذا العام 1441هـ بإقامة فريضة الحج بعدد محدود لمختلف الجنسيات من المقيمين داخل المملكة. وهذا القرار الموفق المسدد يتواءم مع الظروف الحالية والمخاطر التي يعيشها العالم من جراء جائحة كورونا حفاظاً على صحة الحجاج وسلامتهم.
والحفاظ على الأرواح والأبدان من أساسيات الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وهو واجب شرعي، قال تعالى في محكم تنزيله في سورة الحج: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وفي سورة البقرة (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
ومن الحكمة تجنيب الناس هذا العام أسباب التجمع والازدحام حفاظا على أرواحهم، وهو من صميم ما دعا إليه الدين الحنيف في قوله تعالى ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما “.
وقد دلت النصوص الشرعية على وجوب الاحتراز من الأمراض المعدية، والأوبئة الضارة، والطواعين القاتلة، وأن تُبذل كل الأسباب التي تؤدي إلى التقليل من تفشيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، أخرجه البخاري. و قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يوردن ممرِض على مصح ) متفق عليه،وهذا لا ينافي التوكل، إنما هو من صميم الإيمان بالقضاء والقدر مع بذل السبب.
ومن منطلق الأخذ بالأسباب الشرعية الواقية بإذن الله من الأوبئة قبل وقوعها، والمانعة من انتشارها بعد وقوعها، وأن مخالطة ذي المرض لذي الصحة من التهلكة التي نهى الله عن الإلقاء باليد إليها، ويمكن إقامة الحج على وجه لا يجلب الضرر المسقط للواجبات.
فهذا الموقف – ولله الحمد – أولى النّـفس البشريـّة مكانتها الأولى، وراعى المستجدّات الصحيّة العالميّة الّتي مثّـل كورونا عنوانها الأساس، وهو موقف تفهمه العلماء والعقلاء في العالم الإسلامي تفهموا دوافعه المشروعة دينيًا وصحيّا ولم يسعهم إلا مباركته.
والمملكة – حرسها الله – إذ تتخذ هذا الإجراء فهو ما يمليه عليها الواجب الشرعي تجاه الحفاظ على صحة الحجاج والمعتمرين وسلامة المواطنين والمقيمين، وهو نابع من الشعور بالمسؤولية تجاه حجاج بيت الله الحرام وحمايتهم من المخاطر التي يمكن أن تنتجها التجمعات.
وهذا القرار يأتي استنادًا للقاعدة الفقهية “ درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح“، فجاء محققاً للمصالح الشرعية؛ فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، فهو جمع بين إقامة الشعيرة وهو تحقيق المصلحة، وتقليل عدد الحجاج بسبب الوباء وهو درء المفسدة، فما لا يدرك كله، لا يترك قُلُّه.
وقواعد الشريعة الغراء تدل على دفع الضرر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه أو التخفيف منه. وأن الدفع أولى من الرفع، ومن القواعد المتفرعة عنها: أن الضرر يدفع قدر الإمكان، وقد قرر أهل الاختصاص في الطب والعدوى من أن التجمعات تعتبر السبب الرئيس في انتقال عدوى كورونا، وأن منعها أو التقليل منها هو الحل الأمثل حتى يأذن الله تعالى بارتفاع هذا الوباء.
وقرار إقامة الحج هذا العام جاء في وقت كان الناس يتوقعون ألا حج هذا العام، بسبب هذا الوباء فجاء هذا القرار الحكيم حرصًا على إقامة هذه الشعيرة بشكل آمن صحياً وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الحجاج وحمايتهم من مهددات هذه الجائحة.
فالحاصل – عباد الله – أن هذا القرار يأتي موافقاً للشريعة الإسلامية الغراء، وتؤيده النصوص الشرعية والمقاصد والقواعد الكلية وفيه الحكمة والصواب بإذن الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا بلا إله إلا الله فإنها العروة الوثقى.
اللهم احفظ حجاج وقاصدي بيتك المحرم، اللهم احفظ بلادنا بمن فيها وما عليها من كل سوء وداء وسائر بلاد المسلمين، واكفنا شر كل بلاء وشرور الأعداء، اللهم عجل للمرضى والمصابين بالفرج والشفاء، واصرف عن الجميع كل سوء ومكروه.
اللهم ارفع كورونا عاجلاً غير آجل واجعله رحمة على عبادك، اللهم أتم علينا عافية أبداننا وسعة أرزاقنا إنك سميع مجيب الدعاء، والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين.