خطبة : أبواب الجنة

أبواب الجنة للشيخ محمد السبر

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله – عباد الله – حق تقاته، وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.

عباد الله، الجنة دار كرامته تبارك تعالى، ومحل خواصه وأوليائه, وأهل الجنة يساقون زمرًا إلى الجنة سوق إكرام وإعزاز، فإذا وصلوا إلى أبواب الجنة، فتحت لهم أبوابها؛ قال تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73]، فخزنة الجنة يستقبلون المؤمنين بالترحاب والسلام، ومهنِّئين لهم على سلامة وصولهم، فيبشرونهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)، ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 34]، يُبشرونهم: ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103].

فيؤتي بهم، وهم على النجائب راكبون، وفدًا إلى الرحمن: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85]؛ قال ابن عباس: وَفْدًا ركبانًا؛ وقال أبو هريرة: على الإبل، وهذا في الإكرام أحسن وأعلى من أن يمشوا مشيًا على أقدامهم.

والزمر جمع زمرة، وهي الفوج من الناس المتبوع بفوج آخر، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:وَهَذَا إِخْبَار عَنْ حَال السعَدَاء الْمُؤْمِنِينَ حِين يُسَاقُونَ عَلَى النجَائِب وَفْدًا إِلَى الْجَنة، (زُمَرًا): جماعة بعد جماعة، المقربون، ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كل طائفة مع مَن يناسبهم، الأنبياء والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كل زمرة تناسب بعضها بعضًا”.

وقال ابن القيم رحمه الله: “كل زُمرة على حِدة كل مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم، مستبشرين أقوياءَ القلوب كما كانوا في الدنيا وقتَ اجتماعهم على الخير، كذلك يؤنس بعضهم بعضًا، ويفرح بعضهم ببعض”؛ ا. هـ؛ التفسير القيم ص:460، وحادي الأرواح ص: 39.

وبعد دخول الجنة تدخل عليهم الملائكة تسلِّم عليهم؛ قال تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].

فيبشرون من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد والمنازل والخلود فيها: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ﴾ [ص: 50، 51]، فإذا دخلوا لم تُغلق أبوابها عليهم, بل تبقى مفتحة حيث شاؤوا, ودخول الملائكة عليهم من كل باب في كل وقت, بالتحف والألطاف من ربهم, وهي دار من لا يحتاج إلى غلق الأبواب كما في الدنيا.

وعدد أبواب الجنة ثمانية، كما أخرج الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى: الريان لا يدخله إلا الصائمون”، وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله، دُعي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دُعي من باب الريان، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، ما على أحد من ضرورة من أيها دُعي، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وإني لأرجو أن تكون منهم”. قال القرطبي: “قيل الدعاء من جميعها دعاء تنويه وإكرام، ثم يدخل من الباب الذي غلب عليه العمل”.

وأخرج مسلم عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ – أو فيسبغ – الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”.

وقد بيَّن عليه الصلاة والسلام سعة أبواب الجنة، بحيث يدخل منها العدد الهائل، فورد في سعتها قوله: “والذي نفس محمد بيده، إنما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى”؛ رواه البخاري ومسلم، والمصراعان: جانبا الباب.

وورد أن ما بين مصراعيها مسيرة أربعين سنة، فقد روى أحمد في مسنده عن حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ”، الكظيظ: الزحام، ورواه مسلم أيضًا من حديث عتبة بن غزوان قال: “ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام”.

والجمع بين الأحاديث أن الجنة درجات، وكلما ارتفعت فيها تتسع، وأن الأبواب بعضها فوق بعض.

فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون بحسب منازلهم؛ قال ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ [طه: 75]، وقال تعالى: ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 21].

نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يغفر لنا ذنوبنا، ويُجنبنا النار، إنه سميع مجيب، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فاتقوا الله عباد حق التقوى، وهناك أوقات تُفتح فيها أبوابُ الجنان، فأبواب الجنة تُفتح في شهر رمضان؛ قال عليه الصلاة والسلام: “إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين”؛ رواه البخاري ومسلم.

وتُفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس، روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شَحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يَصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا”.

وهذا مما يحدو المسلم لأن يَجِدَّ السير إلى الله بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، ويجتهد باستغلال المواسم الفاضلة والساعات المباركة؛ ليصل إلى مراده وبُغيته جنة عرضها السماوات والأرض، هذا وصلُّوا رحمكم الله على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبدالله..