خُطْبَةُ عِيدِ الفِطْرِ 1446هـ

خُطْبَةُ عِيدِ الفِطْرِ المُبَارَك 1446هـ ([1])

الْحَمْدُ للهِ، الَّذِي خَلْقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ أَدَّخِرُهَا لِيَوْمٍ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرَاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بَشيرَاً وَنَذِيرَاً، وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيرَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبيرَاً، وَالحَمْدُ للهِ كَثيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأصِيْلاً. اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا ذِكْرَ اللهَ ذَاكِرٌ وَكِبَرَ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا صَامَ صَائِمٌ وَأَفْطَرَ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَا حَجَّ حَاجٌّ وَاِعْتَمَرَ. اللهُ أكْبَرُ خَلْقَ الْخَلْقَ وَأَحْصَاهُمْ عَدَدَا، اللهُ أَكْبَرُ، وَكُلُّهُمْ آتِيِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرَدًّا.

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقَوْا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاشكرُوهُ عَلى نَعَمَةِ التَّوْفِيقِ لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَاسْألوُهُ القَبُولَ، وَتَعوذُوا مِنْ الخَيْبَةِ وَالحِرْمَانِ، وَاعْرِفُوا نِعْمةَ اللهِ عَليْكُم بِهَذا العِيدِ السَعِيدِ الذِي توجَ اللهُ بِهِ شَهْرَ الصِيَامِ، وَافتتحَ بِهِ أشْهُرَ الحَجِ إلى بيتِهِ الحَرَامِ، وَأجْزَلَ فيِهِ للصَائِمِينَ وَالقَائِمِينَ جَوائِزَ البرِ والإكْرَامِ، فَيَا فوزَ العَامِلينَ، ويَا فَرْحَةَ الصَائمينَ بِهَذا اليومِ العَظيمِ! وَيَا خَيْبَةَ المُفَرطِينَ المَحْرُومينَ!

أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ المُبَارَكِ، يَوْمَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَقَدْ وَدَعَنَا شَهْرَاً كَرِيمَاً وَمَوْسِمَاً لِلطَّاعَاتِ عَظِيمَاً، غَصَّتِ الْمَسَاجِدُ بِالْمُصَلَيْنَ، وَرُفِعَتِ الْأَكُفُّ بِالدُّعَاءِ، وَتَنَافُسَ الصَّالِحُونَ بِالْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ؛ ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

العِيدُ فَرَحٌ وشُكرٌ بمَا أتمَّ اللهُ عَلى عِبَادِهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَبِمَا وَفْقَ للطَاعَةِ، فَمَا أجْمَلَ اقترَانَ السُرورِ بِالشُكْرِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ». مُتَفَقٌ عَليِهِ.

العِيدُ فَرَحٌ بِمَا أبَاحَ اللهُ، وَاسْتمتاعٌ بالطيبَاتِ، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

العِيدُ تَعبِيرٌ صَادِقٌ عَنِ انتِمَاءِ الأُمَّةِ وَاعْتِزَازِهَا بدِينهَا، قَالَ ﷺ: «إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيْدُنَا»، مُتَفَقٌ عَليِهِ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: اشْكُرُوا اللهَ الَّذِي هَدَاِكُمْ إِلَى هَذَا الدِّينِ الْمُحْكَمِ وَالشَّرِيعَةِ السَّمَحَاءِ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَحْكُمُ بِالْعَدْلِ وَتَنَشُرُ الْحَقَّ، فَتُمْسِكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَهُوَ عِصْمَةُ أَمْرِكُمْ، وَسِرُّ قُوَّتِكُمْ، وَسِلَاَحَكُمْ أَمَامَ كَيْدِ عَدُوِّكُمْ؛ فَلَأَجْلِهِ يَسَعُونَ لِبَثِّ الْفُرْقَةِ، وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وَعَليْكُمُ بالجَمَاعَةِ، وَالسَمْعِ وَالطَاعَةِ فِي المَعْرُوفِ، وَلا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَابَتَعِدُوا عَنِ التَّنَاحُرِ وَالْاِخْتِلَاَفِ، وَتَعَاوَنُوا عَلى البرِ وَالتَقْوَى، وَلا تَعَاونوا عَلى الإثمِ والعُدْوانِ وَاحْمَدُوا اللهَ عَلى نِعْمَةِ الأمنِ فِي الأوْطَانِ؛ ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: التَّوْحِيدُ أَصْلُ الْإِسْلَامِ وَرُكْنَهُ الْمَكِينَ: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾؛ فَاجْتَنَبُوا مَظَانَّ الشَّرَكِ وَمَسَالِكِهِ، وَحَقِّقُوا تَوْحِيدَكُمْ بِطَاعَةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ وَاِتِّبَاعِهِ، ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

العِيدُ سَلامٌ وَوِئامٌ، وَتهنئةٌ وَدُعَاءٌ، وَنُفُوسٌ صَافِيَةٌ مِنَ الضَغَائِنِ وَالشحْنَاءِ؛ ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾؛ فَابتَهِجُوا بِعِيدِكُم، وَتسَامَحُوا، وَأزِيلُوا الضَغَائنَ عَنْ قلوبِكُم، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا، وَعَلى الحَقِ أعْوانَاً، المُسْلمُ أخوُ المُسْلمِ، لا يَظلِمُهُ، وَلا يَخْذِلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، أفْشُوا السلامَ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وَصَلوا بِالليلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

اِتَّقَوْا اللهَ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْمَكَاسِبَ الْمُحَرَّمَةَ مِنَ الرِّبَا وَالرَّشْوَةِ وَالْغِشِّ وَأَكَلِ مَالِ الْيَتِيمِ، لَا تَجْمَعُوا حَرَامَاً، وَلا تُنفِقُوا إِسْرَافَاً، وَاحْذَرُوا الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ فَإِنَّ خَطَرَهَا وَبِيلٌ؛ وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا فِي مُحْكَمُ التَّنْزِيلِ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

عِبَادَ اللهِ دَاومُوا عَلى الأعْمَالِ الصَالِحَةِ، وَلا تقْطَعُوا مَا عَوْدتُم أنْفُسَكُم عَليهِ مِنْ الصِيَامِ وَالقِيامِ، فَمَا أجْمَلَ الإحْسَانَ يَتبَعُهُ الإحْسَانُ، وَمَا أقبَحَ العِصْيانَ بَعْدَ الإحْسَانِ، وقدْ نَدْبَكُم نَبيكُم ﷺ إلى صِيامِ السِتِ مِنْ شَوَّال فَقَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فأرُوْا اللهَ مِنْ أنْفسِكُم خَيْرَاً، ولا تُوَدِعُوا بوَدَاعِكُم رَمَضَانَ العِبادَةِ، ولا تَرْجِعُوا بَعْدَ الذْكْرِ إلى الغَفْلَةِ، وَلا تهْجُرُوا المَسَاجِدَ، واجعلوا الاستِقَامَةَ شِعَارَكُم، وَمَرْضَاةَ اللهِ غَايَتَكُم، وَحَافِظُوا عَلى أعْمَالِكُم وَكُنُوزِكُمُ التِي ادْخرتُمُوهَا لآخِرَتِكُم، ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾، وَاِجْتَهِدُوا فِي عِبَادَةِ رَبِّكُمْ، فِي كُلُّ وَقْتِ وَحِينَ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

يَا نِسَاءَ المُسلمينَ: اتقينَ اللهَ فِي أنْفُسِكُنَّ، وأقِمْنَ الصَلاةَ، وَآتِينَ الزَكَاةَ، وَأطعِنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَتَصَدْقنَ، وَأكثِرْنَ الاسْتِغِفَارَ، وَاتّقينَ النَّارَ، وقُمْنَ بِحَقِ الأزوَاجِ، وَحُسْنِ تَرْبيةِ الأولادِ، وَعليكُنَّ بِالحِجَابِ وَالاحتشَامِ، وَليكُنْ لَكُنَّ فِي أمْهَاتِ المُؤمِنينَ أُسْوةٌ، وفِي بَنَاتِ النبيِ ﷺ قُدوةٌ، واحْذَرْنَّ التَبرجَ والسَفُورَ، فقدْ صَانَكُنَ اللهُ بالحِجَابِ وَالجِلبَابِ، وَجَعَلَهُ طَهَارَةً للقُلوبِ وحِمَايةً للأعْرَاضِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ

اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وَاحْمِ حَوزَةَ الدِينَ، وَانْجِ عِبَادَكَ المُستَضْعَفِينَ فِي كُلِ مَكَانٍ، وَكُنْ لَهُم وَليًا وَظَهيرَاً.

اللهُمَّ وفِّق خَادَمَ الحَرمينَ الشَريفينَ، ووليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترضى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ.

اللهُمَّ أَمِّنْ حَدُّودَنَا وَأَنْصُرُ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ يَا قَوِّيُّ يَا عَزِيزُ.

اللهُمَّ اجْعلْ بِلادَنَا بِلادَ إيمَانٍ وَأمَانٍ، وَرَخَاءٍ وسَعَةِ رِزقٍ، واصْرِفْ عنهَا الشرورَ والفتنَ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطنَ.

الَّلهُمَّ أعِدْ عَلينَا رَمَضَانَ أعْوَامَاً عَدِيدَةً، وأزْمنَةً مَدِيدَةً، ولا تَجعَلْ هَذَا آخرَ العَهْدِ برَمَضَانَ، وَاِجْعَلْ عِيدَنَا سَعِيدَاً وَعَمَلَنَا صَالِحَاً رَشيدَاً، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً، وَسَبِحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

……………………………………………………………

•• | ‏لمتابعة الخطب على: (قناة التليجرام) /  https://t.me/alsaberm


([1]) خطبة عيد الفطر 1446هـ للشيخ محمد السبر ttps://t.me/alsaberm

تحميل المرفقات

إضغط هنا