مع عودة المساجد
خطبة : مع عودة المساجد
أول خطبة بعد رفع المنع الجزئي للشيخ محمد السبر، الجمعة 13 شوال 1441هــ
الحمد لله الذي كشَف عنا الضرَّ، الحمد لله الذي كفانا وآوانا، الحمد لله ثم الحمد لله، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمَده على نعمائه وعلى حُسن بلائه، يكشف الضر ويُجيب المضطر، ويشفي السقيم ويَغفِر الذنب العظيم، والصلاة والسلام على إمام الصابرين، وإمام الشاكرين نبينا محمد الذي ابتُلي فصبر، وأُعطي فشكر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله، بعد طول فِراق ها قد شرعت بيوت الله أبوابها، وضجَّت المساجد بتكبيرات المصلين والمسبحين، وامتلأت الحناجر بآمين، وانتقلنا من الصلاة في بيوتنا إلى بيوت الله ورحابه، فالحمد لله على ما أنعم وتفضَّل، هو أهل الثناء والمجد، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، مثْنين بها عليك، قابليها.
ها قد عدنا إلى المساجد بعد مُضي فترة ليست بالقصيرة من احترازات وتدابير وقائية لدفع جائحة كورونا، وما تبِعها من تعليق للجُمَع والجماعات، والأعمال ومنع التجمعات.
نعم عباد الله، تعود الحياة أجمل وأبهى، وحقَّ للطيور أن تغادر أوكارها، والأرواح أن تجدد مسارها، ليمضي الجميع معًا لمواصلة السير في عمارة الكون بطاعة الله وعبادته، وعمران المساجد حسًّا ومعنًى، والاستمرار في البناء والعطاء، وخدمة الدين والوطن، الوطن الذي استقبل رسالة السماء، واحتضن الحرمين الشريفين حرسهما الله.
ومن شكر الله تعالى الشكر والتقدير والعرفان لولاة الأمور – أيَّدهم الله – على كل ما بذلوه من جهود عظيمة للتخفيف من تبِعات هذه الجائحة الاقتصادية والصحية والأمنية.
الشكر والدعاء موصول لأبطال الأزمة، العاملين في مجال الصحة والأمن والشرطة، فشكرًا للجميع قادة وساسة، أطباءَ وعلماءً، مؤذنين ومتطوعين على ما قدَّموا وبذلوا من وقت وجهود لتعود الحياة أجمل وأبهى بإذن الله.
مضت الفترة الماضية من الحجر والعزل والإجراءات الوقائية، لتهبنا المحن مِنحًا ودروسًا، فأبرزت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وعمَّقت التوكل على الله واليقين مع الأخذ بالأسباب: “اعقِلها وتوكَّل”، إضافة إلىبذل الذكر والدعاء، وكثرة الاستغفار.
وأتت هذه الجائحة لتدرِّبنا على اتخاذ الإجراءات الوقائية، واستشعار المسؤولية من الجميع، مع القناعة بأن الوباء أمرٌ واقع وخطير، وتبقى المسؤولية الآن في يد المجتمع الذي يحتاج إلى مواصلة التحرز والاحتياط إلى أن يزول هذا الوباء تمامًا، وبالكلية بإذن الله وحوله وقوته.
ومن هنا يبرز دور الأسرة والوالدين وأرباب العمل، وأصحاب الفكر والقلم والإعلام في التوعية والتثقيف، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
ومما يبشِّر بالخير ويبعث التفاؤل أن نسبة التعافي والشفاء مرتفعة والوفيات قليلة، فضلًا من الله ومنَّة، ووعي الناس في ازدياد، وظهرت صور ومشاهد من الترابط والتعاون على البر والتقوى، والاستفادة من التقانات والخدمات في تخفيف لأْواء الأزمة، وعرَف الناس الغث من السمين، والصادق من المرجف والكاذب، وظهر دور العلم والعلماء والصحة والأطباء والولاية والجماعة، وأثر ذلك في تجاوز الأزمة والصعوبات.
والدولة – أيَّدها الله – بكافة قطاعتها، بذلت وفعلت وقدمت كُل شيء، وبقي وعي المواطن والمقيم.
لقد أصبح المجتمع اليوم أكثر وعيًا في تطبيق آليات التباعد الاجتماعي، فهي تجربة جديدة علينا جميعًا، لكنها رائعة في ذات الوقت.
وإن رفع الإجراءات تدريجيًّا لا يعني ترك الأخذ بوسائل الوقاية والسلامة، فعلى الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية في التعامل مع الجائحة، والالتزام بتعليمات الجهات المختصة، وأن يأخذوا بالأسباب، ويتبعوا سبل الوقاية بالتباعد الاجتماعي ولزوم البيوت، وعدم الخروج إلا للصلاة والعمل وما لا بد منه.
وفي الوقت الذي قدم مجتمعنا أنموذجًا يُحتذى في الوقوف مع الجهات الرسمية في مكافحة انتشار جائحة كورونا، وفرحتنا بالعودة التدريجية إلى ممارسة النشاطات، يأبى أفراد قلائل إلا أن يفسدوا الفرحة، ولأسباب تافهة، لا تتجاوز مذاق قهوة أو قطعة كعكة بلا مسوغ ولا احتراز!
جاء هذا البلاء ليصلح من سلوكياتنا الخاطئة في البذخ والإسراف والكسل والتواكل، جاء ليربطنا بالله إيمانًا وتوكُّلًا، جاء لنعرف قيمة المساجد، ونعمة القرب من الوالدين، وندرك قيمة صلة الرحم وحسن الجوار والأخوة في الله.
عباد الله، هذه الجائحة على وشك الزوال – بإذن الله – ولقد تعلَّمنا منها الشيء الكثير، فالأهم الاستمرار على ما استفدناه خلالها، والأهم هو ما يفيدنا في ديننا وآخرتنا، وأن هذه الدنيا فانية، والآخرة هي دار القرار، وموعدنا الجنة بإذن الله.
ستنكشف الغمة ويزول الضر بإذن الله، والمسلم هو مَن فَهِمَ الرسالة، وسارع إلى التوبة والإنابة، وأعاد ترتيب حياته وأولوياته، والمؤمن من أدرك أن الأمان ليس في مال يكتنز ولا دنيا يصيبها، الأمان هو في رضا الله وحسن الخاتمة، والاستعداد للرحيل، فالابتلاءات غالبها للتهذيب لا للتعذيب.
فاعتدلوا في عيشكم وفرحكم، واستقيموا على طاعة مولاكم، فالوباء لايزال، وتأدبوا مع الله تعالى في مظاهر الفرح، فلا أشر ولا بطر.
ونحمد الله أن لم يجعل جائحة كورونا مصيبة في ديننا وعباداتنا وأخلاقنا، فإن المال غادٍ ورائح، والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولئن أحزننا انقطاعُ كبار السن ومَن يُخشى عليه من الضرر من شهود الجُمع والجماعات، فإن مما يُعزينا أن من انقطع عن العمل الصالح بعذرٍ، كُتِب له أجر ذلك العمل، فقد أخرج البخاري عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)، وفي هذا سلوة وعزاء للمرضى وكبار السن والممارسين الصحيين الذين لا يُمكنهم الحضور للمساجد بسبب الجائحة، فقد أخرج البخاري عن أنس قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أقوامًا خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا، حبسهم العذر.
نسأل الله أن يلطف بالمرضى والمصابين وبالمسلمين جميعًا، وأن يعين العاملين في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء ويحفَظهم، وأن يجزيَهم خيرًا الجزاء وأوفرَه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ وكفى، وسمع الله لمن دعا، وصلوا وسلموا على رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان، وسلم تسليمًا مزيدًا.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اصرِف عنا شرَّ ما قضيت، اللهم قنا برحمتك شرَّ ما قضيت، وارفع عنا هذا الوباء.
اللهم ادفَع عنا الغلاء والوبَاء والرِّبا والزلازِل والمِحَن، وسوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احمنا واشفِ مرضانا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.