مكانة الشباب في الإسلام

خطبة : مكانة الشباب في الإسلام الجمعة 12محرم 1441

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصًا حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

 

فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

عباد الله، يقول تبارك وتعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]، فالشباب هو قوة بين ضعفين؛ قوة بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، وما بكت العرب على شيء كما بكت على الشباب، حتى قال قائلهم:

ألا ليت الشباب يعود يومًا *** فأخبره بما فعل المشيبُ

 

الشباب فترة زمنية لها قيمتها ومكانتها في الحياة؛ فهي باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله كما أن أطيب الثمار بواكيرها، والشباب مرحلة الفتوة والنضارة.

 

الشباب هم رجال الغد وآباء المستقبل، وعليهم مهمة تربية الأجيال القادمة، وإليهم تؤول قيادة الأمة في جميع مجالاتها، وفي صلاح الشباب صلاحٌ للأمة، ومما لا شك فيه أن فترة الشباب هي مرحلة القوة والفتوة، ومرحلة الشباب مرحلة من مراحل العمر لم يكتمل نضجها بعد؛ فهي قابلة للتشكل والتغير، ومن هنا يتأتى دور الأسرة والمربين في توجيهها إلى الخير، وبذل مزيد من التربية والرعاية والاهتمام:

وينشأ ناشئ الفتيان منا 
على ما كان عوَّده أبوهُ 
وما دان الفتى بحجًى ولكن 
يعوده التدين أقربوهُ 

 

وقد اهتم الإسلام بالشباب فجاء ذكرهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لبيان فضل هذه المرحلة وأهميتها، ولفت الأنظار إليها، فيذكر ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم من قصص المرسلين والصالحين الأولين ما فيه هداية للبشر؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]، والقدوة بهم في إيمانهم ودعوتهم وصبرهم، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ما بعث الله نبيًّا إلا شابًّا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب”.

 

ومن حديث القرآن عن قصص الشباب التي تروي مآثرَ جليلة: قصة الخليل إبراهيم عليه السلام؛ يحكي القرآن ما قال قومه عنه: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]؛ قال ابن كثير: “أي: شابًّا”.

 

وفي القرآن سورة تتحدث عن قصة يوسف عليه السلام، وفيها من العبر والفوائد الشيء الكثير، وهو أحسن قدوة للشاب في العفة والطهر، وإيثار مرضاة الله وإن ناله ما ناله في الدنيا من تعب وعناء.

 

وفي سورة الكهف ذكر قصة الفتية في الزمان الأول: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، وقصتهم فيها الاعتزاز بالدين، والدعوة إليه، والاستعانة بالله ودعاؤه، واعتزال أهل الباطل عند العجز عن إصلاحهم، وغير ذلك؛ قال ابن كثير رحمه الله: “فذكر الله تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذي قد عتوا، وانغمسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل”.

 

أما رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فقد اشتد حرصه وتوجيهه للشباب، وظهرت عنايته الفائقة بهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر منهم: ((وشاب نشأ في طاعة الله))؛ رواه البخاري.

 

وفي تعليم الآداب الشرعية يقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))؛ رواه البخاري ومسلم، وقال لابن عباس رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))؛ رواه أحمد والترمذي.

 

وقد كان أكثر حملة الإسلام الأوائل في أول زمن البعثة من الشباب؛ فهذا الصِّدِّيق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة أو الثامنة والثلاثين، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وعليٌّ رضي الله عنه لم يكن قد تجاوز العاشرة، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنه كانوا شبابًا، وجماعة كثيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا شبابًا، قام عليهم الدين، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم.

 

وهذه صور من حال الشباب في العهد النبوي؛ فعن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: ((أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))؛ متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ((وصلوا كما رأيتموني أصلي)).

 

روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان شباب من الأنصار سبعين رجلًا يُقال لهم: القراء، قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة، فيتدارسون ويصلون، يحسبهم أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح، استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب فجاؤوا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، فأصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قتلتِهم خمسة عشر يومًا في صلاة الغداة)).

 

وأسامة بن زيد رضي الله عنه شاب يشاوره النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، ويسلمه قادة الجيش الذاهب إلى الروم، وعتاب بن أسيد شاب يجعله أميرًا على مكة، وعبدالله بن الزبير يقود الغلمان لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وسفير الإسلام مصعب بن عمير يرسله داعية إلى أهل المدينة، فيُسلِم على يديه أكثر أهلها، ويدخل نور الإسلام كل بيت من بيوتها.

 

عباد الله، إن الشباب بالإسلام هو الخير والعطاء والبناء، وهو بغير الإسلام تعاسة وبلاء، وعلى الشاب المسلم أن يعرف دينه ويتفقه فيه، ويمثل الإسلام في سلوكه وعمله، ويكون على قناعة تامة به، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشككين، وليعلم الشباب أن دينه أفضل دين، وأن كل ما سواه زور وباطل، فواجب الشباب المسلم أن يُسخِّر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين.

 

على الشاب أن يعلم أن أمته هي خير أمة أخرجت للناس، وأن هذه الخيرية ثابتة لها ما دامت متمسكة بدينها، ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

 

على الشاب أن يكون همه بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين، وتعبيد الناس لرب العالمين، وليحذر أن يكون داعية سوء، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

 

على الشاب أن يعرف ما لوطنه من الحق؛ فهو بلد الإسلام الذي وُلد فيه وعلى أرضه نشأ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء للإفساد في الوطن.

 

على الشاب أن يكون دائمَ الارتباط بالله تعالى، من خلال أداء الصلاة في وقتها، وكثرة الذكر والدعاء، والاستعانة به في جميع الأمور، والتوكل عليه، والمحافظة على الأوراد والأذكار الشرعية.

 

على الشاب أن يحذر من التقليد الأعمى الذي يُفقِده شخصيته وتميزه، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار فقال: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))؛ رواه أبو داود وصححه العراقي والألباني، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين، فقال له: ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها))؛ رواه مسلم.

 

وعلى الشاب أن يحافظ على رجولته، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسُّرٍ وتشبُّهٍ بالنساء، وغير ذلك؛ فقد ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال))؛ رواه البخاري.

 

وما عجبي أن النساء ترجلت *** ولكـن تـأنيث الرجـال عجـابُ

 

على الشاب أن يصبر على مشقة فعل الطاعة وترك المعصية؛ حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به؛ فإن الخيرة عادة.

 

على الشاب أن يملأ فراغه بالمفيد والنافع، وأن يروِّح عن نفسه بالمباح، وأن يتجنب الحرام؛ فإن في الحلال غنية عن غيره، وعاقبة الحرام وخيمة؛ ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

 

على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة، حتى ولو كان ظاهرها الصلاح والإصلاح؛ فلا يقبلوا فكرة أو منهجًا إلا بعد الرجوع للعلماء الراسخين؛ حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل.

 

معشر الشباب، اختيار الصحبة الصالحة مطلب مهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))؛ رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وقد قيل: الصاحب ساحب، والصاحب الفاسد يدل على الشر، ويمنع من الخير، ويزين المعصية ويقود إليها.

 

يا معشر الشباب؛ يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاءٌ))؛ رواه البخاري ومسلم، هكذا يخاطب عليه الصلاة والسلام الشباب بالمبادرة بالزواج، ومخاطبتهم بهذا الاسم وهم في مرحلة الشباب له دلالته الواضحة أن في الزواج حفظًا لهم من الحرام.

 

معشر الشباب، بر الوالدين قربة وعبادة، والإحسان إليهما هو وظيفة الشاب المسلم: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، وصلة الرحم بركة في الرزق ومنسأة في الأثر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره، فليصل رحمه))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

معشر الشباب، تحلوا بخلق الصدق والوفاء، والحلم وكظم الغيظ؛ فإن الغضب من الشيطان، واطلبوا معالي الأمور، ولتكن همتكم عالية، وتسلحوا بالعلم والأدب.

شباب قنع لا خير فيهم *** وبورك في الشباب الطامحينا

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن الشباب لا يدوم، ولا بد للعبد أن يغتنم شبابه قبل رحيله، فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن شبابه: فيمَ أبلاه؟ ومن تمام نعيم أهل الجنة أنهم يدخلون الجنة وهم شباب؛ يقول النبي: ((أهل الجنة جردٌ مُرْدٌ كحلى لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم))، فصبرًا على الحق وعلى مقتضيات الطريق باتباع السنة، ومجانبة أهل الباطل والبدعة، حتى نلقى محمدًا صلى الله عليه وسلم على الحوض.

 

هذا، وصلوا عباد الله على رسول الهدى محمد بن عبدالله، اللهم صلِّ على نبينا محمد.