نصرة النبي على مستوى الأفراد

خطبة: نصرة النبي على مستوى الأفراد

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، و أشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، بلغ الرسالة، وأدى الأمة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

عباد الله، النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم اصطفاه الله بتبليغ رسالته إلى الناس كافّة، وشرح له صدره، ورفع ذكره، وأعلى قدره ومكانته بتعظيم سنّته صلّى الله عليه وسلّم، فهي الوحي الثاني: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وتعهّد الله بحفظ دينه إلى يوم القيامة، فقال جل وعلا: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. وعصمة من كلّ نقصٍ وزلّةٍ، ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]. وكفاه ذلك شرفًا وفضلًا تَعجز البشريّة عن شكره عليه وإيفائه حقّه، ومن واجبنا أن ننصر رسول عليه الصلاة والسلام على شتى المستويات وهناك العديد من الأمور التي تعزز دور الفرد المسلم أيا كان موقعه في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نذكر بأولها وأولاها؛ وهو الايمان بصدق نبوّته والاعتقاد الجازم بأنّه رسولٌ من ربّ العالمين وخاتم النبيين لا نبي بعده، وأنه بلغ أمّته رسالة الله ودينه أحسن بلاغ وأتمه وأكمله، فقد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة صلى الله عليه وسلم.

وتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، فالشهادة له بالرسالة من لازمها وشرطها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع.

فطاعته صلّى الله عليه وسلّم باتّباع أمره واجتناب نهيه والاقتداء به والرضا بحكمه، والتسليم الكامل له، والانقياد لسنته، ونبذ ما سواها، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

فعلى كل مسلم أن يسعى لتحقيق الشطر الثاني من كلمة التوحيد، بأن محمدًا رسول الله؛ ليصح إيمانه، ولتقبل شهادته، فإن المنافقين قالوا: ﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، ولم تنفعهم شهادتهم؛ لأنهم لم يحققوا معناها ولم يقوموا بمقتضاها.

ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة، ومقدمة على النفس والأهل والولد، وعلى كل أحد، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه.

التّحلّي بالأدَب مع النبي صلى الله عليه وسلم واحترام سنّته، وخفض الصوت بحضرته؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُون ﴾ [الحجرات: 2]، ويدخل في ذلك خفض الصوت في مسجده وعند قبره، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم ﴾ [الحجرات: 3].

ومن عظيم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم عدم ذكره باسمه مجردًا من الرسالة والنبوة قال تعالى: ﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا ﴾ [النور: 63].

طاعة أمر الله تعالى في وجوب الدفاع عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم ممّا يُحاك له من ضروب الأذى المختلفة، وردّ كل نقصٍ أو عيبٍ يُنسَب إليه، لقوله تعالى: ﴿ لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9]، واستدامة النيّة الصالح والاتباع الصادق في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ومن الدفاع عنه إظهار التبرؤ والبغض لأي منتقد للنبي صلى الله عليه وسلم أو لسنته أو لصحابته، مهما كان، وردعه بما هو متاح ومشروع حتى يرجع عن فعله.

ومن الأعمال القلبية انغمار القلب بمشاعر الفرح والبهجة حال انتشار سنّته صلّى الله عليه وسلّم وظهورها بين الناس، والشعور بالحزن والألم حال فقْد بعضها في حياة الناس.

ومعرفة كمال الصفات الخَلقيّة والخُلقيّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ ممّا يَبثُّ في النفس مشاعر محبّته والشوق لرؤيته.

ومن ثابر على محبّته وسعى في تحقيقها وِفق الوجه الصحيح، فهو مع النبي في الجنة وحسن أولئك رفيقًا فالمرء مع من أحب، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: (فَما فَرِحْنَا بشيءٍ، فَرَحَنَا بقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).

التّقرّب إلى الله تعالى بمحبّة آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم الطيبين الطاهرين؛ من أزواجٍ، وذريّةٍ، وأقاربٍ؛ لشرف قرابتهم منه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثًا: (أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي). رواه مسلم.

محبّة وتوقير أصحابه، والترضي عنهم والجزم بأفضليّتهم علمًا وعملًا ومنزلةً عند الله تعالى على كل من سِواهم ممّن جاء بعدهم، ومحبة واحترام علماء الأمّة الربانيين والسلف الصالحين فالعلماء ورثة الأنبياء.

الحرص على الالتزام بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتعلّمها، وقراءتها، وفهمها، واستخلاص ما تضمّنته من عقيدة وحِكَمٍ وأخلاقٍ.

الاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وشمائله في كل منحى من مناحي الحياة.

الحذر والتحذير من الاستهزاء بشيء من سنته صلى الله عليه وسلم، ولو على سبيل المزاح والتفكه في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

العناية بالسيرة النّبويّة الشريفة؛ وذلك من خلال قراءتها، وأخذ العبرة والفائدة من مواقفها، والسعي لربط أحداثها بالحياة الواقعية.

تعريف المسلمين خاصة الناشئة بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلُقية، وتذكيرهم بتلك الشمائل الكريمة، وأنه قد اجتمع فيه الكمال البشري في صورته وفي أخلاقه صلى الله عليه وسلم.

ودور المرأة المسلمة في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ مهم وعظيم لا سيما أنّه دافَع عن كامل حقوقها وأثبتها لها، وقد خصّها بالاهتمام والعناية بها؛ وما شرع لها من أحكام وتشريعات، تحفظ قدرها وكرامتها ممّا يُحتّم عليها نصرته بحبّه صلّى الله عليه وسلّم، والاقتداء بزوجاته أمهات المؤمنين في عبادتهن وأخلاقهن، وتربية أبنائها على سنّته ومحبّته، مع التزام الحجاب والجلباب والحياء والعفاف.

أسأل الله أن يزيدنا حبًا وطاعة واتباعا لله ولرسوله وأن يجعلنا في المنازل العالية وإنْ قصر عملنا عنهم: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة…

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتذكروا رأفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأمّته، وأنّه الأحرص عليها والأرحم بها، لقوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم ﴾ [التوبة: 128]، ولذا كان حقا علينا محبته والاعتراف بفضله على كل واحد منا وتقدير مكانته وفضله العظيم على المسلمين. ومن ذلكم الصلاة عليه في كل وقتٍ وحينٍ؛ كحال ذِكرِه، ويوم الجمعة، وبعد الآذان، لِنيل الثواب الذي أعدّه الله تعالى على ذلك، فقد قال ربكم جل وعلا في محكم تنزيله ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا)رواه مسلم.