وترجل الفارس .!

وترجل الفارس ! *

بعد ٣٥ سنة من صعود منبر من أعظم  منابر الإسلام قاطبة وأشدها تأثيراً يترجل الفارس عن صهوة جواده بعد عطاء ودعاء وخطب عصماء انطلقت من صعيد عرفات الطاهر فهو بحق من خطباء العصر المصاقع ذلكم هو سماحة شيخنا العلامة الجليل عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء متعه الله بالصحة والعافية وختم له بخير ..

يترجل الشيخ الجليل حفيد الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بعد أن كان يقوم مقام النبي ﷺ وخلفائه وولاة الإسلام الذين تعاقبوا على خطبة عرفة في مسجد نمرة بمكة زادها الله شرفا؛

وكان اعتذار سماحته عن خطبة هذا العام ١٤٣٧هـ خبراً محزنا لجمهور المسلمين ومحبيه الذين اعتادوا على سماع صوته الأجش الأبح  ورؤية طلته البهية عشية عرفة وكأنه جزءٌ لا يتجزأ من مشاعر الحج .!

فهنيئا للشيخ هذا الشرف فقد ابتدأ خطابة مشهد عرفة في عام ١٤٠٢هـ فهو أطول خطيب لعرفة منذ فجر الإسلام ؛

ومع مكانته الدينية وخبرته العلمية ومخزونه الخطابي كخطيب للجامع الكبير بالعاصمة الرياض إلا أن الشيخ يظل قرابة شهرين في إعداداها وتحبيرها لتخرج بصورة رائعة ومتميزة تخاطب العالم أجمع لتوضح شريعة الإسلام ومحاسنها وأنها رسالة سماوية عالمية.

إن خطب سماحة الشيخ في عرفات تميزت بصدق اللهجة وفصاحة الكلمة والتنوع في الموضوعات مع تسلسل الأفكار وترابط المعاني ووفرة النصوص ، حيث كان حفظه الله يقرر فيها قواعد الإسلام وأصول الدين والتوحيد الذي هو حق الله على العبيد وبيان السنة والوصية بلزوم جماعة المسلمين وتعظيم شأن الدماء المعصومة وحقوق المرأة مع بيان مناسك الحج وماذا يجب على المسلمين نحو دينهم ومجتمعاتهم ..

والذي حضر أو شاهد أو قرأ خطب الشيخ في عرفة يظهر له فقه للواقع بمعالجة دينية متزنة لأحداث العالم الإسلامي والعربي ومعالجة قضايا المجتمعات المسلمة في وسطية واعتدال وحسن طرح ..

لقد كان الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يرتجل خطبة عرفة ارتجالاً يصل إلى ما يقارب الساعة بصوت عالٍ ونفس واحد ولغة فصحى، لا لحن ولا تردد ، وللمنابر شأن وأي شأن فقد قال عبدالملك بن مروان -رحمه الله- (شيبني ارتقاء المنابر وخوف اللحن).

وهذه الأمة المباركة أمةٌ معطاءةٌ يصدق عليها قول السموأل :

‏إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ * قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ

وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا * لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ !

اعتذر المفتي عن خطبة عرفة فإذ بإمام الحرم الشيخ معالي الشيخ عبدالرحمن السديس يعتلي درجات المنبر ويلقي خطبة بليغة جامعة شاملة في هذا اليوم الأغر ؛ وهو كما قال القائل :

‏بالله قل لي أقرطاسٌ تخط به * ‏في حلة هو أم ألبسته الحللا ؟

‏بالله لفظك هذا سال من عسل * ‏أم قد صببت على أفواهنا العسلا؟

وكم كان الشيخ السديس وفقه الله موفقاً ووفياً حين أشاد بسلفه ودعا له وهكذا هي أخلاق الكبار..

فضاعف الله مثوبة سماحة المفتي وجزاه ﷲ عن أمة الإسلام والمسلمين خير الجزاء وبارك في سلفه وأتم على المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين نعمة الأمن والإيمان والنصر والتمكين وحرسها من مكروه وكل عام وهي خادمة للحرمين وراعية للمشاعر ،، والله من وراء القصد .

*محمد بن ابراهيم السبر