وقفة في بداية عام جديد
الحمد لله، ﴿ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
عباد الله:
ما أسرع ما يمر علينا عام ونستقبل آخر، فنحن في زمن السرعة الفائقة في كل شيء، حتى في أعمارنا التي تطويها الأيام والليالي كطيِّ السِّجِل للكتب، ونحن في غفلة من أمرنا عن أعز ما نملك، وهو العمر الذي لا يشترى ولا يباع، والذي هو دقائق وثوانٍ..
غير أن سرعة هذا العام لم تكن سرعة سرور وحبور، التي تكون سنتُها سِنة، بل شِيبت بمكدرات الأخبار وطوارق الأخطار، فأخبار الوباء ذهبت بساعات الصفاء، وأمنيات اللقاء، ففي كل وقت يسمع المرء خبرًا مزعجًا من وفاة قريب أو إصابة حبيب، ومن لم يصب يترقب رهَبًا أن تأتيه العدوى من حيث لا يحتسب.
وهكذا عاش الناس في هذا الهم من خلال العام الهجري الفائت والذي قبله، ومازال يضرب بجِرانه الأرض غير أن الله أذن ببشارات الفرج وخفة وطأته وتوفر اللقاح، عسى أن يولى الأدبار، وينقشع منه الغبار، فيذهب ويصبح من الآثار، وليس على الله ببعيد.
ها نحن نودع عامنا هذا، وهو غير مودَّع ولا مُستغنىً عنه، ويودعنا وهو يحمل تاريخًا غير مسبوق، ستظل ذكراه أمد الدهور القادمة تطَّلع عليها الأجيال بعد الأجيال، ولعلهم يأخذون منه عبرًا، وفكرًا.
نستقبل هذا العام الجديد ونحن بخير والحمد لله، على أمل أن نعيش الأعوام المقبلة، إن أبقى الله لنا فسحة من الأجل، ولا ينبغي أن ننسى أن علينا أمورًا، أهمها؛ أن نشكر الله تعالى شكرًا كثيرًا باللسان والجَنان والأركان أن نجانا مما ابتلى به كثيرًا من عباده، حتى يكون شكره سبحانه حارسًا لنعمائه دافعًا لابتلاءاته، فإن الشكر يقيّد النعم ويدفع النقم، وهو مُرضٍ للمولى القائل: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، ورضاه عن الشكر هو رضا عن الشاكر، فكم له سبحانه على عباده من نعم أسداها من غير استحقاق، تستوجب مزيد الشكر وبالغ الحمد.
أن نتذكر أنه قد مضى عام مَنَّ الله تعالى به علينا من العمر، طويت صفحته بخيره وشره، نفعه وضره، حلوه ومره؛ مضى بأعمال صالحة نسأل الله تعالى قبولها، وأخرى طالحة نسأل الله تعالى سترها وعفوه وعافيته، مضى بتقصير عن الطاعات، وتكاسل عن المسارعة في الخيرات والمسابقة في المَبرات، نسأل الله تعالى ألا يؤاخذنا على ذلك، وأن يبعث فينا همم كُمَّلِ الرجال الذين يسارعون للخيرات وهم لها سابقون.
فإن تذكرنا ذلك فعلينا أن نحاسب أنفسنا لتدارك ما يمكن تداركه من حقوق وواجبات؛ لأن فرصة بقاء العمر ينبغي أن تُغتنم لزيادة الخير وجبر النقص وكلنا خطاء ما دام في العمر مهلة، ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: 37]، فنذير الشيب، ونذير الموت، ونذير المحن والوباء، كل ذلك يقتضي تذكر الفائت، وسد الخلل، وإصلاح العمل، فالعاقل من يتنبه لذلك حتى لا يندم على التفريط، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ما يتمناه المرء بعد فوات الأوان من العمل الصالح والصدقة: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون: 99]، ولكن لات ساعة مندم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، ويبدأ العام بموسم للخير جديد، وشهر مبارك فضيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»؛ رواه مسلم.
ويوم عاشوراء، نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون وقومه، وصيامه مستحب يكفر السنة الماضية ففي صحيح مسلم، أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال: « أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ».
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير.
اللهم اصرف عنا شر ما قضيت، وأعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.