الهيئة عملها ومرجعيتها إلى أين ؟
الرسالة: تناقش تطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |
|
تحقيق – محمد بن إبراهيم السبر* |
في البداية تحدث مدير عام التوعية والتوجيه الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله العيدي عن أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، فقال إن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيادة الأمم والعز والتمكين، وبضده تهلك الأمم وتبور، وقد أمر الله تعالى به وحث عليه ورغب به ورتب عليه الأجور العظام مع أنه واجب وفرض، حيث قال سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} سورة آل عمران الآية 110، وقال عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، (71) سورة التوبة، وقد أمر به صلى الله عليه وسلم فقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم محذراً من مغبة ترك هذا الأمر (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)، رواه الترمذي. وقد حذرنا ربنا عز وجل من عاقبة ترك هذه الشعيرة العظيمة، وبين لنا أنها لا بد أن يقوم بها جميع أفراد المجتمع، وضرب مثلاً بالأمم السابقة التي خالفت أمره وتنكبت عن الصراط، فقال عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}، سورة المائدة (78 – 79). وأردف الدكتور العيدي قائلاً: وقد بيَّن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم كيف كان حال بني إسرائيل حيث كان أحدهم يرى أخاه على المنكر فلا ينهاه ثم لا يمنعه بعد ذلك أن يكون أكيله وشريبه حتى ضرب الله تعالى عليهم العقوبة ولعنهم برضاهم بالمنكر وسكوتهم عليه. وخلص فضيلته إلى التأكيد على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع حيث إن تقصير الفرد في هذه الشعيرة يؤدي إلى انتشار المنكر واستمراء الناس له ويضعف أو يترك أكثر الناس الأمر بالمعروف، وعند ذلك ينتشر الفساد في المجتمع ويصعب الإصلاح ويصبح الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر غرباء في المجتمع لقلتهم، ويكثر مثبطوهم ومعادوهم. والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. وعن دور الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع بموجب النظام، يتحدث حول هذا المحور الشيخ الدكتور عبدالرحمن آل حسين مدير عام إدارة القضايا بالرئاسة بقوله: مما لا شك فيه أن للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوراً كبيراً في حفظ أمن المجتمع الأخلاقي، والحفاظ على آدابه العامة ونشر الفضيلة بين أوساطه وتقويض بنيان الرذيلة، فهي تأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، فكم كانت سبباً في حفظ الأعراض والعورات، وحالت دون الوقوع في الجرائم الأخلاقية، وأعانت من وقع فيها بالخلاص منها. وأضاف الدكتور آل حسين: إن المتأمل لواقع البلاد الأخرى في عالمنا الإسلامي المعاصر ليأسى أشد الأسى من تفاقم المحرمات فيها وانتشار البدع والمنكرات والشركيات، بشكل تعجز معه الكلمات عن وصفه، ويترجم عنه الحال في كثير من الجوانب العقدية والأخلاقية والفكرية، وبالتالي يدرك ما منّ الله به على بلاد الحرمين الشريفين – حرسها الله – من العناية بهذا الجانب المهم، فرعاية الحسبة تاج على رأسها وغرة في جبينها، فقد جعلت له جهازاً مستقلاً وجهة خاصة مسؤولة ورئاسة عامة تتولى رعايته والعناية به، وجعلت له نظاماً يسير عليه، حدّد واجباتها ومسؤولياتها، ومن ذلك ما جاء في المادة التاسعة من الباب الثاني في نظام الهيئة ولائحته التنفيذية ما نصه: (من أهم واجبات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الناس ونصحهم لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحمل الناس على أدائها وكذلك النهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً، أو اتباع العادات والتقاليد السيئة أو البدع المنكرة) أ. هـ. وعلَّق فضيلته: فواجب على الأمة جميعاً تعزيز جانب الحسبة والوقوف مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ورفع معنوياتهم، لأنه إذا أفلت زمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطوي بساطه وقلَّ أنصاره وأخفقت رايته عمَّ الفساد وانتشر، ولذا نقرأ ما قال الغزالي -رحمه الله- ما نصه: (فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهمة التي ابتعث الله لها النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وانتشرت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعر بالهلاك إلا يوم التناد) أ. هـ. وعن طبيعة عمل الرئاسة الميداني وضوابطه العملية أوضح الدكتور آل حسين أن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحدى جهات الضبط الجنائي في مجال اختصاصها، ولا شك أن إجراءات الهيئة ونشاطها الميداني محكوم بالضوابط الشرعية والأنظمة المرعية التي سنها ولي الأمر – وفقه الله – والتي لا تخالف نصاً من كتاب أو سنة ولا تعارض قاعدة ومقصداً من مقاصد الشريعة وما أجمع عليه سلف الأمة الصالح -رحمهم الله، فهي تسير وفق نظام الهيئة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-37) وتاريخ26-10-1400هـ ونظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (39) وتاريخ 28-7-1422هـ، ومن اختصاصاتها ما يلي: أولاً: تلقي البلاغات والشكاوى في مجال اختصاصها سواء من المواطنين أو من المقيمين. ثانياً: ضبط القضايا الجنائية المختصة بها، ويتضمن ذلك استيقاف من تظهر عليه شبهات ارتكاب مخالفة شرعية، والقبض عليه إذا ثبت بحقه ذلك، وتفتيشه، وتفتيش مسكنه وأمتعته إذا كان لها علاقة بالمخالفة، وضبط المواد والأشياء التي معه المحرمة شرعاً والممنوعة نظاماً وتحريزها، وإحالته إلى الجهات المختصة لاستكمال الإجراءات اللازمة بحقه. ثالثاً: للهيئة الحق في أخذ التعهدات الشخصية على المقبوض عليهم في بعض الحالات. رابعاً: كما أن الهيئة جهة ضبط جنائي فهي في الوقت نفسه جهة إصلاح فترشد الناس وتوجههم للخير وتمنعهم من الشر وتحذرهم من سلوك طرقه. لماذا تثار الشبهات على الهيئة وعملها؟ سؤال طرحناه على فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن عبدالرحمن القفاري رئيس مركز البحوث والدراسات بالرئاسة، فقال: إن من أهم أسباب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستهانة به وهجر بعض الناس له ما يُثار حوله من شبهات فاسدة تتناول شرعيته من جانب أو وجوبه أو جدواه. وعن التعامل مع ما يثار من شبه وحقيقتها في الميزان الشرعي يقول فضيلته: في وقتنا الحاضر، ومع الثورة في عالم الاتصالات، وتلاقح الثقافات، والتغريب بأنواعه، والفضائيات وما تثيره من شهوات وشبهات، نلحظ قيام بعض الناس بتبني بعض الشبه بين حين وآخر، بل قد نجد من يستدل بها ويلوي أعناق النصوص في سبيل هواه وشبهته، فتارة يرددون بأن الاحتساب يعارض الحريات الشخصية، وأخرى يتعللون بأن ضلال من ضل لا يضرنا، ولا يعنينا، ومرة يتزهدون بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة التقصير والنقص، ومنهم من يقول أخشى مع الاحتساب الوقوع في الفتنة، ويتحججون بعدم استجابة الناس، وغيرها من الشبه التي يكون باعثها إما الهوى والشيطان أو الجهل بالعلم الشرعي وتقدير المصالح والمفاسد. فهذه العقوبات الإدارية أشبه ما تكون بمحطات لمحاسبة الموظف نفسه ومراجعتها عندما توجه إلى الموظف على سبيل التدرج أو بحسب جسامة التقصير وما نتج عنه من مخالفات. أما ما يتعلق بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة موظفها فيقول سعادته: من المعلوم لدى الجميع أن الرئاسة العامة هي إحدى الدوائر الحكومية ذات هيكلة إدارية مستمدة من نظام الخدمة المدنية، فهي في مجال العقوبات الإدارية ومحاسبة الموظف تركن إلى نظام تأديب الموظفين مع ما تبذله من إجراءات تساهم في ترشيد عمل الموظف ودفع أسباب الخلل والتقصير عنه. وقبل ذلك تعنى بجانب تنمية الرقابة الذاتية لدى موظفيها وتسعى دائماً إلى تقوية الجانب الإيماني وتعزيزه في النفس، ولذلك فإن الجهة المختصة لا تلجأ إلى المحاسبة كعقوبة عند أول خطأ أو زلل بل يسبق ذلك النصح والتوجيه، وفي حال تكرار الخطأ يأتي دور المحاسبة. إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |