المقررات الدراسية إلى سلة المهملات.. لماذا؟!

المقررات الدراسية إلى سلة المهملات.. لماذا؟!

 

تحقيق: معاوية بن أحمد الأنصاري
احترام الكتب المدرسية والمحافظة عليها واجب ديني وتربوي وأخلاقي نظراً لما تتضمنه الكتب المدرسية من آيات قرآنية كريمة وأحاديث شريفة وعلوم ومعارف نافعة، وقد انتشرت ظاهرة فقدان الوعي والاهتمام بهذه الكتب ورميها في الشوارع والساحات العامة والمدارس وذلك بعد الانتهاء من الاختبارات، نظراً لعدم وجود الرقيب والمتابع والناصح لهؤلاء الطلاب من قبل المدرسة والمجتمع، ولجهل الطلاب وعدم وعيهم وإدراكهم لقيمة هذه الكتب والفائدة المرجوة منها، يظنون أن النجاح هو آخر علاقة لهم بهذه الكتب وأن الطالب يدرس تلك الكتب من أجل النجاح فقط وليس من أجل طلب العلم والثقافة والفائدة والتربية، ويشترك في القصور التربويون في الميدان وجميع الأجهزة المعنية وخاصة الإعلام، وذلك بعدم استخدام برامج توعوية مناسبة للحد من هذه الظاهرة غير الحضارية. (الدعوة) ناقشت القضية مع عدد من المهتمين فخرجت بالتالي:
نظرة شرعية
بداية يقول الأستاذ يوسف بن حمد البسام مدير مدارس البسام بقوله: إن الكتاب المدرسي لايزال وسيلة للامتحان ولإعطاء الدرجة فقط ولم يصل بعد إلى أن يكون وسيلة للمعرفة وهذا سبب من أسباب العداء والكره من أبنائنا وبناتنا للكتاب.
والطلاب يربطون بين الامتحان وبين سنة دراسية من الدوام الإجباري والحفظ دون فهم (عملية آلية خالية من الممارسة والإبداع)، وكذلك يربطون بين النظام والعلاقات بينهم وبين المعلمين والرهبة المفروضة في قاعة الامتحان… يربطون هذا كله بالامتحان نفسه الذي يمثل نهاية العبء ونهاية سلسلة طويلة من المحاذير والشروط والقيود الصارمة.

إلغاء بعض الفصول
إن مبررات الطلبة المستمرة لعدم احترام الكتاب المدرسي تكمن في أن المشكلة أكبر من أن نتغاضى عنها ونتجاوزها، إن المشكلة حقيقية ولها مسببات وجذور يجب النظر لها بعين الاعتبار من جانب التربويين أنفسهم ومن مؤسسات وأفراد المجتمع؛ انظر معي لسياسة: إلغاء صفحة أو أكثر من أي مادة دراسية يسارع الطالب على الفور لتمزيق الصفحة أو الصفحات الملغية وبعضهم يكتفي بطي الصفحات بطريقة الظرف؛ ربما تبدو المسألة للعيان عادية لكن لو تأملنا أخلاقيات الموضوع لوجدنا أن (الإلغاء) و(الحذف) (يقللان من هيبة الكتاب ويطيحان بقيمته وأهميته، فما هو مقرر اليوم يبدو ملغياً في سنة أخرى؛ وعملية كهذا تجعل الطلبة لا شعورياً يعتقدون أن كل ما يحويه كتابهم المدرسي ليس ذا قيمة ولكن معبر للنجاح لا أكثر؛ مما يحول علاقة الطالب بكتابه لعلاقة انتهازية نفعية خالية من الود والمحبة؛ يعززها إصرار المعلمين على حفظ المادة بداخل الكتاب دون نقاش أو تحليل أو حتى تحفيز للطالب على إثارة الأسئلة.
كما أن الكتاب المدرسي يسير بتؤدة وخطواته لا تواكب خطوات المتغير الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتنا؛ إذ بينما ينفتح الطالب على العالم عبر وسائل الاتصال و(بضغط زر) يتناول الشاب ما يريد من معلومات يقف الكتاب المدرسي ليمجد معلومات وأفكار عفا عليها الدهر.

ظاهرة خطيرة
فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم بن سعود السبر الداعية المعروف يقول: إن ظاهرة رمي الكتب في حاويات القمامة أو قوارع الطريق ظاهرة منتشرة وللأسف بين بعض الطلاب والطالبات وهي ظاهرة خطيرة لعدة أسباب: أنها تؤدي إلى امتهان الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحويها المقررات المدرسية كالمواد الشرعية ومواد اللغة العربية وغيرها. ومن المعلوم أن كلام الله عزَّ وجلَّ وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام شريف نفيس يجب العناية به ويجب تعظيمه ولا يحل أن يلقى في القاذورات والأشياء النجسة مهما كان الأمر.
إن امتهان آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا صدر عن عمد فإنه يكون ردة عن الإسلام والعياذ بالله تعالى، لكن هؤلاء الطلاب يفعلون ذلك إما جهلاً أو تساهلاً وعدم اهتمام.
هي دلالة على عدم احترام العلم ونصوصه وتدل على عدم تقدير نعمة الله في تيسير وتوفير الكتب والمقررات في حين أن غيره من طلاب المسلمين لا يجدونها وإن وجدوها فبأثمان قد لا يستطيعون دفعها.

الوزارة مسؤولة
أما الأكاديمي والكاتب مبارك بو بشيت فقد أوضح أن مسؤولية هذا التصرف المقيت لا تقع على البيت وحده أو الطالب نفسه فقط. بل إن وزارة التربية والتعليم عليها عبء غير هين من سوء هذا التصرف.. مطالباً الوزارة بأن تضع آلية معينة وواضحة للحفاظ على مثل هذه الكتب التي تعد بالملايين وتصرف عليها من الريالات مئات الملايين.. إذا وضعت في حسابها أنها – أي الكتب – لا تنتهي بانتهاء الاختبارات فيها.
واستذكر بو بشيت زمن الدراسة في العقود الماضية، مبيناً شلا نستلم الشهادات إلا بتسليم الكتب التي درسنا فيها وتعلمنا منها، وكان الجيد منها يعاد توزيعه على الطلبة الجدد وبالتالي نحرص على الحفاظ عليها وعدم تشويهها بالتمزيق أو اللعب فيها بالأقلام، متسائلاً لماذا تبدل الحال في هذه الأيام؟

هدر متكرر
ويضيف الأستاذ محمد بن راكد العنزي (معلم) قائلاً: هذا الهدر الذي يتكرر كل عام من قبل الطلبة بحق كتبهم المدرسية التي تكلف الدولة كل عام ملايين الريالات لتوفيرها لهم ولتكون بين أيديهم مع مطلع كل عام دراسي دون أن تأخذ منهم كما تفعل بعض الدول أي رسوم مالية أو مبالغ نظير هذه الكتب أو غيرها مما يستخدمه الطالب والطالبة في المدارس من أثاث وغيره.
ولكن يبدو أن مجانية التعليم التي توفرها المملكة لأبنائها قد ساهمت إلى حد كبير في تقليص الإحساس بالمسؤولية في نفوس البعض من الناس إلى درجة جعلتهم لا يبالون بتلك المكتبات التي بين أو التي – كما قلت – ليست موجودة في العديد من الدول التي يجبر المواطن فيها على دفع مبالغ مالية مقابل إلحاق أبنائه بالتعليم والتي يبدؤها بدفع رسوم التسجيل وقيمة الكتب والأثاث وانتهاء بدفع قيمة المقعد الذي يجلس عليه الطالب، فمتى يا ترى نعي هذه النعمة التي بين أيدينا ونصون حقها ونحافظ عليها، فهذا الاستهتار الذي نشاهده كل عام من الطالب بحق كتابه العزيز يجعلنا نقف متسائلين عن ماهية العلاقة بين الطالب وكتابه، وهل وصل إلى هذه المرحلة المعينة في إتلاف الكتاب بسبب كرهه الممقوت للمادة أم للكتاب أم لمدرس المقرر.

مقترحات لعلاج الظاهرة
الأستاذ شاكر الغامدي مشرف تربوي قدم عدداً من المقترحات لعلاج هذه الظاهرة من أبرزها:
* الوعي ثم الوعي ثم الوعي من قبل المدرسة (المدير – الوكيل – المعلم – المرشد) والبيت والمجتمع (أئمة المساجد ورجال الإعلام) عبر الوسائل المختلفة…
ولا بد من تعويد الطالب أو الطالبة على المحافظة على الكتب وتخصيص مكتبة بسيطة في منزله أو بالأحرى دولاب معين بالمنزل لحفظ تلك الكتب التي سوف يستفيد منها ذلك الطالب أو الطالبة للرجوع إليها مستقبلاً في حالة عدم التوفيق في المرحلة الدراسية أو إهداء تلك الكتب لمن يستحقها من باب المساعدة وهي تحوي كلاماً وكنزاً علمياً قد كلف المسؤولين والمختصين الكثير من الأوقات وكلف الدولة الكثير من النفقات المالية.
كذلك أن يقوم كل طالب بإعادة كتبه إلى المدرسة فور الانتهاء من الاختبارات حتى يستفيد منها طلاب آخرون في العام المقبل لسد العجز في المقررات إن وجد ولا يستلم الطالب نتيجته إلا بعد أن يرجع الكتب المدرسية إلى المدرسة، وفي حالة إكماله أو رسوبه تبقى معه كتبه ولا يعطى كتباً جديدة. والطالب الذي ترى المدرسة وتعرف من سيرته وسلوكه أنه يستفيد من الكتاب يُعفى من إرجاع كتبه وذلك لأنه أولى الناس بها إذا كان يستفيد منها ويجعلها في مكتبته الخاصة.

جوائز تشجيعية
يجب أن تخصص المدارس جوائز تشجيعية ومكافآت للطلاب الذين يحافظون ليس فقط على كتبهم وإنما للذين يحافظون بشكل عام على أثاث المدرسة ونظافتها وممتلكاتها.
وأن تُباع الكتب المدرسية المسترجعة في حال عدم استخدامها لعام آخر، لشركات الورق لإعادة تدوير الورق وللاستفادة من عائد البيع في نواحٍ تربوية أخرى أو تسلم تلك الكتب لرابطة العالم الإسلامي للاستفادة من الكتب الدينية لتوزيعها خارجياً.
وأن توظف الإذاعة المدرسية وبرامج النشاط الطلابي داخل المدرسة لتوعية الطلاب بأضرار رمي الكتب، على أن تستثمر الحفلات والمناسبات المدرسية لتوعية الطلاب وأولياء أمورهم في هذا الجانب.
وأقترح أن يدفع الطالب رسوماً للمدرسة مقابل هذا الكتاب على شكل تأمين فإذا انتهت الاختبارات يقوم الطالب بإرجاع الكتاب فإذا أرجعه سليماً من العيوب والعبث والتمزيق ونحو ذلك ترجع إليه نقوده، وإذا لم يرجعه أو أساء استعماله فإنه يبقى معه ولا ترجع إليه أمواله. والطالب إذا كان سيدفع مبلغاً ولو قليلاً مقابل الكتاب فإنه بلا شك سيحافظ عليه من جميع النواحي وربما يحتفظ به ليستفيد منه هو أو أخوه أو طالب آخر.
ومع إيماني بمرارة هذا الرأي إلا أنه يمكن أن يصبح أحد الحلول بالنسبة لمشكلة رمي الكتاب. وهذا يلزم اعتماد طبعة تبقى سارية المفعول لعدة سنوات، وألا يكون كل سنة طبعة جديدة لئلا تكون المسألة تجارية بحتة! واعتماد طبعة لسنوات عدة يوفر على الوزارة مبالغ كبيرة كما كان الحال منذ سنوات.
ولكي يظل الكتاب نظيفاً وسليماً على المدرسة والمرشد الطلابي بالذات أن يتابع كتاب الطالب أولاً بأول وفي نهاية الفصل تكون هناك جوائز لأفضل وأنظف كتاب. وعلى المدرسة القيام بتهيئة حاويات وأماكن مخصصة لتجميع الكتب والدفاتر والمذكرات عند مداخل المدرسة أثناء الاختبارات.

 

المصدر :

http://www.aldaawah.com/?p=745