حج 1443هـ نجاحٌ وأمان

خطبة : حج 1443هـ نجاح وأمان  

للشيخ محمد السبر 16 ذو الحجة 1443هـ

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، الحمدُ لله ملءَ ما في السماء، والحمدُ لله ملءَ ما في الأرض، والحمدُ لله ملءَ ما بينهما، والحمدُ لله ملءَ كل شيء، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيراً.

 أما بعد: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ ]التوبة: 119 [.

عباد الله، انتهى موسم الحَجِّ الذي أدى فيه المسلمون الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه العظام، وكثيرٌ منهم زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وتشرفوا بالسلام عليه وعلى صاحبيه، وعادوا سالمين غانمين، بالأجر وحسن الثواب موفورين، مستبشرين بفضل الله ونعمائه أن أعانهم على حجهم وأراهم مناسكهم.

ولقد تجلت في هذا الموسم العظيم مدرسة الحج الكبرى في أجلى معانيها وأبهى مغازيها من تحقيق التوحيد وإقامة ذكر الله تعالى والوحدة والتعاون.

إن نعم الله على هذه البلاد لا تُحصى؛ فهي بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة، ومنطلق الدعوة الإسلامية، وعلى ثراها عاش رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

وإن من النعم التي تجددت لهذه البلاد المباركة – بل للمسلمين جميعًا – نجاح موسم حج هذا العام 1443هـ على كافة الأصعدة، فقد سعد المسلمون بعد تراجع جائحة كورونا؛ برؤية جموع الحجاج، في جنبات المسجد الحرام، والمشاعر المقدسة ملبِّين ضارعين بسلام آمنين.

الحمد لله على فضله وإنعامه: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، فإن الله قد سهَّل الحج ويسَّره، فاستتب الأمن وعُبِّدت الطرق، وجاء الحجاج برًّا وجوًّا وبحرًا ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾] الحج: 27. [

وإن النعم تدوم بالشكر، وإن من شكر الله على هذه النعمة التحدث بها كما قال تعالى:﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ ]الضحى: 11. [

إن هذه الدولة المباركة – بحمد الله – تقوم على توحيد الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتحكيم الشريعة، ومَن كان كذلك، فإن الله معه يؤيده وينصره، ويُسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة كما قال تعالى:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ ]النور: 55 [.

لقد تغيرت أحوال الحج وأحوال الحجاج منذ قيام الدولة السعودية والحمد لله؛ فعمَّ الأمن أرض الجزيرة كلها، واختفت عصابات السلب والنهب التي كانت تعترض قوافل الحجيج، ناهيك عن الباطنية الذين لقي المسلمون منهم عنتًا وبلاءً عظيمًا، فدنَّسوا المقدسات، وكانوا يتقربون بقتل الحجاج، وسرقوا الحجر الأسود زمنًا، وعطلوا الحج سنوات بعد سنوات فلم يحج إلا القليل، يضاف إلى ذلك الاستهانة بهذا الركن العظيم من الدول التي كانت موجودة آنذاك، فلا اهتمام بشأن جزيرة العرب، ولا رعاية حقيقية للحرمين الشريفين، ناهيكم عن شيوع البدع والخرافات والمحامل الشِّركية والبدعية.

لقد قفلت قوافل الحجيج إلى ديارها، بعد موسمٍ ناجحٍ وحافلٍ بخِدْماتٍ متكاملةٍ، وإنجازاتٍ جليلة، وجهودٍ تعاضدت فيها كلُّ القطاعات التي بذلت عملًا دؤُوبًا، وطوَّرَت فِكرًا حديثًا لخدمةِ الحجاج والزوَّار. وفي مقدمتها الجانب الصحي والوقائي وتوفير المرشدين والأدلاء، وجهود وزارة الشؤون الإسلامية في تهيئة المواقيت والبرامج التوعوية والدعوية وتوزيع المصاحف على الحجاج والمعتمرين.

وإن من النماذج البارزة في التفاني في خدمة الحجيج ما رأيناه من رجال الأمن والعاملين في الحج، وكيف كانوا القلوب الرحيمة والعواطف الجياشة مع الحجاج والزوار، يوقرون الكبير ويرحمون الصغير، ويعينون العاجز، ويعاملون ضيوف الرحمن معاملة حسنة طيبة، فلهم منا الدعاء والثناء وحسن الذكر.

فجزى الله خيرًا وُلاةَ أمر هذه البلاد الذين أنفقُوا بسخاء، وأشرفوا بوفاء، وبارك في رجال صادقين صنعوا مجدًا وإتقانًا في إدارة الحج، فأُخرِست الأبواق الناعقة التي تُشوِّهُ الحقائق، وتُزيِّف الأحداث، وأشعةُ الشمس لا يحجبها غربال.

اللهم تقبَّل من حجاج بيت الله حجهم، واجعل حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، واجزِ ولاة الأمر خير الجزاء وأعظِم الثواب على ما يُولونه من خدمة ورعاية للحرمين الشريفين وقاصديهما.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واحمدوا الله على نعمه وتوافر آلائه، وإقامة الحج والمشاعر على التوحيد والسنة، وخلوها من مظاهر الشرك والبدعة، وسلامتها من الرايات الجاهلية والشعارات السياسية، مع أمن وارف، وتذليل للصعاب، وحسن وفادة للحجاج والزوار، فالحمد لله ظاهرا وباطنا، وظاهراً وباطناً.

هذا وصلُّوا -عبادَ الله- على رسولِ الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابِه، فقال:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾]الأحزاب: 56 [.

اللهم صلِّ على محمدٍ، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحمين.

 اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، ودمِّرِ اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًّا وسائرَ بلاد المسلمين.

 اللهم وفِّق ولِيَّ أمرنا وولي عهده لما تُحبُّ وترضَى، ووفِّقهما لهُداك، واجعل عملهما في رِضاك يا رب العالمين، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين للعملِ بكتابِك، وتحكيمِ شرعِك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم انصر جنودنا المرابطين وردَّهم سالمين غانمين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فاشغِله بنفسِه، واجعل تدبيره تدميرَه يا سميعَ الدعاء.

!&QgWjCgSGE*PXQGH#B70^cO