همسات في آذان المتنزهين

تمتعوا بـ (إيجابيات) المصايف ·· لكن احذروا من (سلبياتها)!




هامساً في آذان المتنزهين·· الشيخ محمد السبر:

* من غير اللائق سفر المسلم بعائلته إلى دول تبيح الفساد وتقر الفتنة ولا تحترم الدين

* المصايف الإسلامية الآمنة تشكل بديلاً مناسباً للمغامرة في بلاد لا تحفظ الدين

* الترفيه البريء الذي يُبعد المسلم عن الفتنة يكون أكثر ترويحاً للنفس وأماناً لها

* الإسلام لا يقف حجر عثرة أمام التنزه والترفيه وفق ضوابطه

* رب الأسرة مطالب بتجنيب أولادهوأهله مواطن الفساد

حوار: محمود الديب

 

أكد فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم السبر إمام وخطيب جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري بالعريجاء أن الإسلام لا يمنع أحداً من الذهاب للتنزه والتمتع بجمال الطبيعية، بل يمكن للإنسان أن ينعم بالتنزه وطاعة الله في نفس الوقت دون الوقوع في أخطاء أو ارتكاب ما حرّمه الله· واقترح عدداً من البدائل لمن يخافون على أنفسهم فتنة السفر خاصة للدول غير الإسلامية ووقف بنا فضيلة الشيخ السبر أكثر من وقفة وهمس بكلمات في أذن كل مقبل على القيام برحلة سياحية إلى خارج المملكة ورسم لنا كيفية استثمار أوقات الاصطياف في طاعة الله·

الترفيه مطلب روحي

* مع قرب الإجازة الصيفية يحرص كثير من العائلات على السفر للخارج
فهل من نصائح تحب أن توجهونها للمسافرين قبل سفرهم؟

– نحن نعايش الإجازة الصيفية الطويلة التي طالما انتظرها أبناؤنا
الطلاب ليستريحوا من عناء الدراسة والسهر والمذاكرة، ونحن نلمس عزم الأغلب من
الناس على السفر والترحال طلباً للسياحة والاصطياف ومن أجل ذلك نقف وقفات مع
المصطافين آملين أن تكون عوناً لهم على استثمار أوقاتهم فيما ينفعهم في الدنيا
والآخرة·

وأولى الوقفات :
(النزهة والترفيه·· مطلب روحي)، فالنفس مجبولة على ذلك وهي فطرة الله التي فطر
الناس عليها ولا لوم على أحد أن يأخذ أسرته في نزهة برية أو رحلة خلوية أو غيرها،
وأن غير ذلك يعتبر مصادمة للواقع، ولذا عندما لقي حنظلة رضي الله عنه أبا بكر قال
له نافق حنظلة، قال أبو بكر: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً، قال أبو
بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (وما ذاك)؟ قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة، حتى كانا
رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات،
فنسينا كثيراً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون
على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا
حنظلة! ساعة وساعة  –  ثلاث مرات)، وهذا الحديث يدل على أنه لا بد من
الترويح عن النفس والتخفيف عنها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ساعة وساعة·

الهوى يصد عن الحق

* (ساعة وساعة) التي ذكرها رسولنا في
الحديث تجدها على ألسنة العامة عندما يقومون بالترفيه عن أنفسهم ودائما ما يستدلون
بها في غير محلها فهل توضح لنا المفهوم الصحيح؟

–  خطأ مفهوم (ساعة وساعة)، هنا يأتي دور الأهواء والرغبات في فهم
كلام النبي صلى الله عليه وسلم (ساعة وساعة)، وقد صدق أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه حينما قال: (أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى، وطول الأمل، فإن
اتباع الهوى يصد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة)·

وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: ساعة وساعة لكن هل يعني ذلك أن هناك ساعة للطاعة وساعة للمعصية!؟

وهل المراد ساعة لربك وساعة لنفسك تفعل فيها ما تشاء وتختار!؟

فهذا المفهوم لا يمكن
أن يحتمله كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن يفهم منه، إذ كيف يتصور أن يأمر
النبي صلى الله عليه وسلم بمعصية ربه، والتعدي على حدوده؟! وانتهاك محارمه؟! وهو
الذي لم يكن يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت محارم الله اشتد غضبه وأحمر وجهه، فكيف
يأذن بالمعصية وهذا منهجه؟ وهذه طريقته؟ وهذا بهتان عظيم·

والمفهوم الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم ساعة وساعة هو: ساعة لطاعة الله عزَّ وجلَّ وساعة يلهو
فيها المرء بلهو مباح بريء، كما هو ظاهر الحديث والذي يوافق روح الشريعة الغراء،
يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
} [القصص: 77]·

والله عزَّ وجلَّ يأمر أن يستعمل الإنسان ما وهبه من المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعته والتقرُّب
إليه بأنواع القربات التي يحصل بها الثواب في الدار الآخرة: {وَلَا تَنسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والمساكن
والمناكح·· فأي دين أعظم من هذا؟ وأي شريعة أكمل من هذه الشريعة؟ التي راعت بين
جوانب الحياة كلها وأعطت كل ذي حق حقه·

النزهة العامرة بذكر الله

* هل هناك تعارض بين قيام المسلم بالتنزه والاصطياف والمحافظة على حدود الله؟

– الإسلام لا يقف للمصطافين حجر عثرة عن التنزه والترفيه إذا كان ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تكفل له ولأسرته السلامة
والعافية في الدارين، مع التشديد على عدم مصاحبة ذلك بافراط او تفريط، ومن هنا
يأتي التحذير والمنع لا من أجل حرمانك من التمتع؟ كلا، بل من أجل المحافظة عليك من
أن تحيط بك السيئات من كل جانب فتهلك فتكون من الخاسرين، وما أجمل أن تكون تلك
النزهة في ذلك الهواء الطلق، والسماء الصافية، والألوان الزاهية التي تجعلك تنظر
وتتأمل في نجوم السماء وأفلاكها والتي قد لا تراها في المدن فتكون ممن قال الله
فيهم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا
بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }، لا أن تكون ممن قال الله فيهم:
{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ
عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}·

فاتخاذ التنزه للعبرة،
فكما أنك لا تبني في هذه النزهة قصوراً ولا تؤمل فيها آمالاً، لأنك على يقين من أن
لك داراً في المدينة ستعود إليها، كذلك فإن عليك أن تعلم أن هذه الدنيا دار فناء
وأن لك داراً أخرى تنتظرك فماذا أعددت لها؟ أيها المتنزه ما أجمل والله أن تكون
النزهة عامرة بذكر الله عزَّ وجلَّ والمحافظة على فرائض الله، وما أجمل أن تحمل
معك بعض الكتب النافعة والأشرطة المفيدة فتهديها إلى مَن حولك أو ممن تراه في
رحلتك، وما أجمل تلك الرحلة التي تجمع بين المتعة والدعوة إلى الله والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر فهما أمران لا يتعارضان، ما أجمل تلك النزهة التي تكون
فيها النكتة المباحة، والفائدة الممتعة، ما أجمل أن تكون نزهة الأسرة في ترويح
بريء بمكان خالٍ من أعين المتلصصين على عورات الناس ومحارمهم·

اصطياد الفتيات

* ما الاخطاء التي يمكن أن يقع بها
المصطاف، وكيف يمكن تجنبها؟  أسف لبعض ما يرى في بعض تلك المنتزهات والشاليهات الجماعية، أو ما
تسمى بالعائلية من مشاهد مقززة من تبرج وسفور وارتفاع لأصوات النساء، حتى وصل
الأمر ببعض النساء أن تستخدم أرجوحة الأطفال والأجانب ينظرون!! وتركب الدراجة
النارية والشباب يبصرون!!

ويجري هذا  –  وللأسف –  تحت سمع وبصر الأولياء!!
واتعجب من ذلك وأقول يا سبحان الله! أوَصل حالنا إلى ما نرى؟! فهل يمكن لك أن
ترتاح مع أولادك وأهلك في مثل تلك التجمعات؟ هل يمكن لزوجتك أن تأخذ راحتها وأنسها
وتتأمل في ملكوت الله تعالى والناس من حولها، الأسرة بقرب الأسرة!؟ ثم كم من
الشباب الذين يترصدون لاصطياد الفتيات في تلك التجمعات؟ وإيقاع الفتيان الأغرار في
أتون الفساد!؟ والذين لا هم لهم إلا النظر إلى عورات الناس؟ وكم من الشباب الذين
نراهم في سياراتهم وقد رفعوا أصوات الموسيقى الصاخبة وجاهروا بالمنكرات الظاهرة
فهل يمكن أن تعمل شيئاً؟ وهل يمكنك ألا تسمع تلك الأصوات أولادك وأسرتك؟ وكم من
المشاهد ستراها أنت بنفسك لا تحل لك؟ فمن الذي يبيح لك رؤية النساء المتبرجات؟ وهل
يمكنك في تلك الأماكن أن تغضَّ طرفك؟ وأن غضضته عن تلك فهل يمكن أن تغضه عن الأخرى
وغيرها؟

جلب المصلحة

* بماذا تهمس في أذن المصطاف؟

– أهمس في أذنك أيها المصطاف لعلمي
أنك رجل تقدِّر شعائر دينك حق قدرها؟ وتضع لها الأولويات في حياتك؟ ولا يمكن أن
تعمل شيئاً إلا بعد أن تعرف حكم الله تعالى فيه؛ لأنك رضيت بهذا الدين ورضيت بالله
رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، ولذا قد تقول لي: إن لها إيجابيات وأوافقك
على ذلك ولكن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وإذا كان كذلك فدرء المفسدة مقدَّم على
جلب المصلحة، ولعل أحداً لا يقتنع بكلامي هذا ويقول: إن هذا ضرب من التعجيز
والتعقيد والدين يسر!! فأقول له بلسان المشفق ربما لن يستيقظ قلبك إلا إذا
لدغت  – لا سمح الله  –  عندها لن ينفع ندم وربما قال قائل: إنني أجد
ضغطاً من أسرتي وإلحاحاً، فيقال له قد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ
فَاحْذَرُوهُمْ } وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }، واعلم أنك مسؤول أمام الله
عمّن تحت ولايتك فإجابتهم في أمر يخالف شرع ربهم خطأ كبير يحاسب المرء عليه يوم
القيامة، وطاعة الله مقدَّمة على طاعة الخلق وطاعة الرسول مقدَّمة على أهواء
ورغبات الأهل والأولاد (وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)·

مصايف إسلامية آمنة من الفتن

فمهما يكن من أمر فإن
الأب والولي مطالب بتجنيب أولاده وأهله ومن تحت ولايته مواطن الفتن وأماكن البلاء
فلا يليق بالأب المسلم أن يسافر بأولاده إلى ديار الكفر أو ديار الفساد بداعي
السياحة وتزجية الإجازة حتى يحفظ عليهم دينهم، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ في الحلال
غنية عن الحرام، فهناك مصايف المسلمين الآمنة من الفتن، السالمة مما يخدش الحياء،
ويهيج الشهوة، العامرة بالمساجد والخيرات، فالأب يطلب السياحة البريئة النقية من
المنكرات والفتن·

الجمع بين الحسنيين

* ما البدائل التي يقترحها فضيلتكم بدلا من السفر إلى بلاد غير إسلامية؟

–  هناك بدائل متوفِّرة وميسرة على من أعانه الله وأجملها، الذهاب إلى
بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة، وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم
والبقاء بقرب الرحاب الطاهرة، ولا مانع أن يتخلل تلك الرحلة المباركة زيارة إلى
المصايف الجميلة القريبة من بيت الله فتستمتع أنت وأسرتك بالهواء العليل والأرض
الخضراء والمناظر الخلاَّبة فتكون بذلك قد جمعت بين الحسنيين، فعل الطاعة والترويح
عن النفس·

الاستراحات، فالاستراحات نفست عن كثير من الناس فيخرج الرجل مع
أسرته ويقضي وقته معهم يأنس معهم بسعادة دون مضايقات ولا معاكسات هادىء البال،قرير العين مطمئن النفس·

استغلال أماكن المنتزهات والاصطياف والحدائق المعروفة بسلامتها من
المنكرات، كما أن هناك منتزهات يقام فيها برامج توعوية وثقافية وترفيهية هادفة
ومفيدة للأسرة المسلمة·



المصدر: